الشماتة بالموت .. وتحريم الترحم؟ -ناجي سعيد
يصدرون فتاوى تحريم لأنّ الميّت ليس من دينه أو لأنه مختلف معهم سياسياً!
حين بعث الله نبيًّا لينير العقول في العصر الجاهلي، لم يأبه الناس لذلك، بل انصرفوا إلى الاحتفال بالنصر الذي سجّلته “الفتوحات” الإسلامية بحدّ السيف.
سناك سوري _ ناجي سعيد
هذا النصر العنفي، الذي لا أودّ التبرير للإسلام استخدامه، غلّب حكم القلب على العقل. فسيطرت عواطف الناس للانضواء تحت لواء العقيدة دون التعمّق بالأهداف الأقرب لحياة الناس، فلا يمكن لخالق أن يُرسل نبيًّا ليقضي على جماعة من الناس تبعوا نبيًّا آخر.
والناس جميعها هي “خيرُ أمة”! وكي لا أفتح باب النقاش على الاختلاف المشروع من الله والمنبوذ من الناس، أودّ أن استشهد بالحديث التالي: “قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : «لكم دينكم ولي دين» كما قال تعالى في سورة يونس : « وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون» وقال في سورة القصص : «لنا أعمالنا ولكم أعمالكم».
ومن هذا نستنتج بأن الرسالة النبوية تركّز على ما قاله الناس شعبيًّا: “الدين معاملة”، وهذا ما أكّده الرسول في قوله: “إنّما بُعثتُ لأُتمّم مكارم الأخلاق”.
اقرأ أيضاً:الشفقة على الذات في مواجهة الغضب – ناجي سعيد
وعن موضوع اليوم، نتطرّق إلى ما ظهر من شماتة ومواعظ متعلّقة بالموت. فلو مات أحدٌ ينتمي لدينٍ آخر غير الإسلام، لما وجب الترحّم عليه!! وبما أنّ معظم من قال هذا، أي شمت أو أفتى بعدم جواز الترحّم على غير المُسلم، أود أن أقول: أن الموت من أعظم ما يقع بالمؤمنين من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده، وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ، والرحمة الإنسانية تحمل على الحزن بل والبكاء مهما كانت معاملة الميت.
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهودي فقال “أليست نفسا”؟.. رواه البخاري ومسلم. وهذا من ناحية شرعية، أمّا من ناحية علميّة، فمن المعروف طبعًا، بأن المشاعر تنتج بعد سلوك أو موقف يتعرّض له الإنسان، فالنجاح يولّد الفرح، والفشل يولّد الحزن..وإلخ، ولكن حين نواجه فقدانًا أو غيابًا، فشعور الحزن يكون عظيمًا!
ولكن، ليس ما يعنيني الآن هو البحث في المشاعر ومُسبّباتها، فما هو غير طبيعي، أن نخلط أفكارنا ومعتقداتنا بموضوع المشاعر، ولا شكّ أن المشاعر مساحة فردية خاصّة، ولا يمكن أن تناقش وتتداولها الناس. المشاعر تُشعر ولا تُناقش. الأفكار يمكن مناقشتها، ولو نُوقشت بطريقة مِعياريّة، فبالتالي هي قابلة للتغيير.
اقرأ أيضاً:قبل احتفالات رأس السنة فلنهدأ قليلاً ولنفكر لماذا الرصاص؟ – ناجي سعيد
أمّا أن تموت أي شخصيّة عامّة، فلا يعني أن إطلاق المشاعر السلبية، أو السخرية من الحدث هو أمرٌ مسموح. ولهذا نهى الرسول عن الشماتة. فالشماتة محرّمة وفقًا لحديث الرسول، وبأسس علمية، فكيف أسخر من مُصاب أليم حدث لأي إنسان؟ وبغضّ النظر من هي تلك الشخصيّة. فالشعور الذي حدث عند أحد، لا يمكن لأحدٍ آخر أن يشعر به، إلاّ إذا ربطته به معرفة عائليّة أو شخصيّة.
والأنكى أن تفتح قريحة الشخص ويُفرغ ما في جعبته من معرفة فقهيّة، ليصدر فتوى تحريم، فقط لأنّ الميّت ليس من دينه، أو لأنه مختلف معه سياسياً!! ولكنّ هل يتنبّه قبل ذلك، إلى أنّ لا شماتة في الموت! “فالموت من أعظم ما يقع بالمؤمنين من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده..” ومصطلح “المؤمنين”، لا يُحصر بطائفة او ملّة أو مذهب. فقد خلق الله الناس وهم “مؤمنون”، حيث تبعَ كلٌّ نبيًّا أرشده لطريقة تلاقي الإله الواحد.
فكما يقول العالم الصوفي جلال الدين الرومي عن الحقيقة: «الحقيقة مرآة بيد الله، وقعت فتشظّت، وأمسك كلّ طرف قطعة، وظنّ نفسه يملك الحقيقة.» لذا يقبع “الشامتون” بالموت في صندوق يحجب عنهم رؤية الآخر، فيجزم نظرهم الأحادي صوابية رأيهم ومعتقدهم. فمن لا يلبس مثلنا، ولا يأكل مثل طعامنا، ولا يشرب مثل شربنا… علينا الابتعاد عنه، لا بل كرهه لدرجة محاربته حتّى!
لقد خضعت لتدريب من فترة، ومن الممكن أنّه مُستقى من أبعاد دينيّة، ولكنّه يتّفق مع البعد الإنساني: “التراحم”، وهو ما يدعو البشر إلى التراحم فيما بينهم، وأؤكّد “للشامتين” خاتمًا بحديث صحيح، يقول النبي:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا». وهنا تأكيد على أن استخدام كلمة “مؤمن” تشمل كل الأديان. فهل يجوز لشخصٍ أن يترحّم على من مات من غير ملّته؟ حتّى لو خلقنا الله سواسية.