الشباب السوري ثار على تحريم السياسة .. هل يستعيد ساحة الشأن العام؟
ليست رفاهية.. عن المشاركة السياسية للشباب
شكّلت السياسة على مدار 6 عقود من الحكم الديكتاتوري لحزب “البعث” ونظام “الأسدين” ما يمكن اعتباره “تابو” يثير الاقتراب منه الرعب والمخاوف لا سيما لأجيال الشباب.
سناك سوري _ محمد العمر
وتربّت أجيال كاملة من السوريين على عبارات مثل “الحيطان لها آذان” و”بعدو عن السياسة” وقائمة طويلة من التحذيرات والمخاوف من خطورة التعاطي بالشأن العام والعمل السياسي، لا سيما لأجيال الشباب الذين تشكّل وعيهم على محاذير أهلهم من الحديث في السياسة لئلّا يختفون “وراء الشمس” في معتقلات النظام وسجونه.
كانت “كلمة هيك ولا هيك” كفيلة بأن تودي بالشخص إلى المعتقل، ولم يكن الأمر يتطلب أكثر من تقرير من هنا أو هناك يقدّمه أي “مخبر” إلى فرع أمني حتى وإن كان لأسباب كيدية أو انتقامية لتتغير حياة الشخص إلى جحيم الاستدعاءات والتحقيقات وحتى الاعتقال لدى أجهزة الأمن.
لم يكن سهلاً محو ذاكرة نصف قرن من الخوف والترهيب من السياسة، فكيف إن كان التعاطي بها من بوابة معارضة النظام بل والدعوة إلى إسقاطه في ثورة 2011، في وقتٍ كانت فيه أجيال السوريين قد خبرت جيداً بطش النظام ودمويته في التعامل مع أي محاولة للمطالبة بالحرية.
الشباب السوري يكسر تابو السياسة
رغم كل ذلك الإرث من المحاذير وترسيخ مخاطر السياسة كـ”تابو” محرّم، فإن جيل الشباب السوري كان العمود الفقري للثورة السورية، وحملوا راية مظاهراتها وحراكها وقدّموا نماذج شجاعة مثل “طلاب جامعة حلب” الذين خاضوا معركة غير متكافئة مع قوات الأمن مقابل إصرارهم على رفع الصوت والتعبير عن النفس.
سارع شباب وشابات الثورة لتنظيم أنفسهم/ن في “تنسيقيات الثورة”، وبنوا نموذجهم الخاص في التنظيم والتواصل وانخرطوا في العمل السياسي دون تردّد لا سيما مع إدراكهم أن السياسة في تلك اللحظة لم تكن خياراً بل فرضت نفسها على يومياتهم، وفي ذلك الحين لم ينتظر جيل الشباب حزباً قائداً لينظمهم ولا “طليعة مثقفة” لترشدهم إلى الطريق، بل اكتفوا بتنظيم أنفسهم بأنفسهم وتعرّفوا إلى الطريق عبر التجربة ونجحوا في إثبات حضورهم رغم كل المخاطر.
دفع جيل الشباب ثمناً باهظاً خلال 14 عاماً بين اندلاع الثورة وسقوط النظام، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة تكاد تكون مستحيلة حتى اليوم لتبيان عدد الضحايا في كافة الأراضي السورية ونسبة الشباب منهم، فقد كان الجيل الشاب في مقدمة الضحايا، كما لا يحتاج الأمر نسباً وأرقاماً – غائبة حتى الآن- لمعرفة أن الجيل الشاب نال النسبة الأكبر من المعتقلين/ات، وتكفي المشاهدات اليومية بالعين المجرّدة للتأكّد من أن جيل الشباب كان الأكثر هجرة من “سوريا” حتى أصيب المجتمع السوري بـ”الشيخوخة” مع استنزاف شبابه.
الشباب السوري واستعادة الساحات
سقط النظام في لحظة تاريخية، تغيّر كل شيء، ورغم القطيعة الزمنية بين حقبة المظاهرات والتنسيقيات ولحظة السقوط إذ كبرت أجيال بين الحقبتين إلا أن اللحظة اليوم تبدو متشابهة.
اليوم أيضاً تبدو السياسة حاجة لا رفاهية وكسر “التابو” الذي بنته عقود الخوف بخلق حصانة لحرية العمل السياسي عبر الانخراط الواسع فيه ومنع أي محاولة لتقييده أو التخويف منه.
والسياسة هنا ليست هواية أو شغفاً بقدر ما هي مسألة يومية تتعلّق بكل شيء، فتسعيرة الخبز تأتي بقرار سياسي وأجرة السيرفيس قرار سياسي وساعات تقنين الكهرباء وسرعة الانترنت ومعدل القبول الجامعي و و و إلخ، كلها مرتبطة بقرارات سياسية تحتاج نضالاً ومشاركة سياسية فاعلة لتحقيق مكاسب حقيقية لجيل الشباب تعوّضه عن الثمن القاسي الذي دفعه حين حرّمت عليه المشاركة السياسية.