تعالج الثقافة الشعبية المشاكل بأن تدعو الإنسان أن يختبئ وراء أصابعه، وعنوان هذا الهروب من المشاكل، المثل القائل: “الباب اللي بيجيك منّه الريح سدّو واستريح”!! وبالتالي فمن المؤكّد بأن تبعات هذه الدعوة إلى الهروب سلبيّة على “الهارب” تربويًّا، فتكرار الهروب أو عدم مواجهة المشاكل، ينمّي الخوف داخل الذات، ومن رأي آخر عند اتّصاله بالذات، أو الأنا. فمقولة الإمام عليّ هي تربوية بامتياز، حتّى لو المقصود بها الإيمان بالله وعبادته: “الهي ما عبدتَك خوفًا من نارِك ولا طمعًا في جنّتِك , لكن وجدتَك اهلًا للعبادة فعبدتَك “.
سناك سوري-ناجي سعيد
فالعنف تكرّس في قاعدة تتّبعها المؤسسات التربوية، ألا وهي: الثواب والعقاب! وهذه القاعدة تخدم “التربوي النرجسي” الذي لا يهتمّ إلاّ بنفسِهِ. فالذي يسلك سلوكًا يرضيه يُكافَأ، ومن يغاير إرادته يُعاقب.
بدايةً كي أوضّح فكرتي البعيدة عن التنظير الفارغ، فإنّ التربويين الحقيقيّن يعتبرون بأن الإعتذار الحقيقي لأي مُرتكب خطأً ما، لا ينتهي بمجرّد نطق لفظة: أعتذر عمّا فعلت. فلا يكفي أن تعتذر عمّا فعلت، عليك الوعد القاطع بعدم تكرار سلوكك الخاطئ.
إرادة الإنسان بحكم الطبيعة البشريّة هي “خيّرة”. وهذا يفضي بنا إلى استنتاج واضح بأنّ العنف هو إرادة الشرّ، والشرّ يجد طريقه ليسكن داخل الإنسان من بابه العريض: “الخوف”. وفي عودة إلى الثقافة الشعبيّة، فالأمثال واضحة، لتُخبرنا عن خير الإنسان من خلال: ” إذا خِليت خِربت”.
اقرأ أيضاً: التحالف لا يبرر الوسيلة – ناجي سعيد
والمشكلة التربويّة الكُبرى التي تنتشر كما النار في الهشيم، هي أن “سوء الظنّ” بالآخر يأتي عند أي أم أو أب أو مربّي/ة بأطفالهم نتيجة خوفهم من عدم “سماع الكلمة”. فأصبحت الطاعة العمياء هي المعيار للتربية السليمة. فكثيرون يفاخرون بأبنائهم أمام الآخرين بأنهم “شاطر وبيسمع الكلمة” والتاني شيطان ما بيسمع الكلمة، ثمّ يبحثون عن مصدر هذا الشيطان: مدري لمين طالع! وببساطة، يُصبح همّ الأهل الوحيد لتلميع صورتهم الذين يفتخرون بها -وهذا طبيعي- بأن ينسبوا إلى أنفسهم الولد المُطيع، وينبذون الولد غير المطيع، ويدعونه “عاق”.
إنّ الخوف هو المُحرّك للحفاظ على الهويّة التي لم يشاركوا في بنائها، فأهلهم ربّوهم على الطاعة، والطاعة تخدم حُبّ الأنا، وترفض الآخر. وابتكروا “منطقة الأمان” لكلّ فرد كي يبقى قابعًا داخل حضن الأنا العائلية دون الاهتمام بالآخر. وكأن الآخر عدوّ يبربّص بنا ليقضي علينا. ولكي يكفل الأمان فإن أي شخص يتبع هويّة جماعية تخاف ممّا يخاف منه الجميع، دون السؤال عن الأسباب المُوجبة لذلك.
الطفل يتبع المرجع، والمرجع التربوي الأول بيولوجيًّا هو الأم والأب، ولا يبدأ نقاش ومحاولة تصحيح الأخطاء التربوية، إلّا عند الدخول إلى المدرسة، فيفاجئ الطفل والديه حين يقول بعد رفضه لطلبٍ منهما: “بس المعلّمة قالت ما تعملوا هيك!!” وهنا يبدأ النزاع، بأن يلجأ الأهل إمّا للتبرير، وإمّا للتخويف والتهديد في حال عدم الإنصياع لأوامرهم.
وفي عودة لمقولة الإمام علي، فهي تربويّة بامتياز، حيث يمكننا اتّباعها في تربية الأطفال، تصرّفوا تصرّفًا نابعًا من إرادة طيّبة خيّرة، ولا تقوموا بأي عمل لأنكم تخافون من الأم أو الأب أو المعلّم/ة.
وأخيرًا، من قواعد التربية الحديثة التي يرفضها الناس، لأنّ أثرها بعيد المدى، وتختلف عن ثقافة “الفاست فوود”، هذه التربية تقول بأن العقاب للطفل لا يصحّح الأخطاء، فالعلاج للخطأ، أن يتحمّل الطفل عواقب فعلته، ويفكّر ويبادر إلى تصحيحها، وبالتالي لا يكرّرها، فقد شعر بخطئه وأحسّ بمسؤوليّة تضمن نضجه العاطفي والوجداني والقيمي. والنتيجة هنا، نجد أطفالاً لا خوف بداخلهم من شيء، الّلهم إلاّ الأشياء الخارجيّة التي تُشكّل خطرًا، يواجهه الإنسان بذاتٍ خالية من الخوف.
اقرأ أيضاً: السعادة – ناجي سعيد