الرئيسيةرأي وتحليل

التحالف لا يبرر الوسيلة – ناجي سعيد

على التغييريين في لبنان عقد تحالفات لا تبرر إلا تغييراً منشوداً

الماضي أو التاريخ هو مصدر تعلّم. والفكرة الأهمّ من التعلّم هي التقدم، ففي أحد الدورات التدريبية أخبرني احدهم، كيف تمّ توصيل فكرة أهميّة الاستفادة من الماضي للتقدّم إلى الأمام. وقد طلب المُدرّب من المُتدرّبين حينها، أن يقفزوا فوق مكعّب اسفنجي كبير! وبالطبع لم يُنجز هذا الطلب من أحد واقفٌا في مكانه. بل رجع ثلاث خطوات إلى الوراء ثمّ قفز إلى الأمام. وهذا ما يمكن تاكيده بأنّه الإستفادة من الماضي. ففي الثقافة الشعبيّة، هنا أمثلة عديدة توضح هذا. وأشهرها: سآل مجرّب ولا تسأل حكيم. فالتجربة هنا عند عامّة الناس، تبدو كأنّها أهم من العلم!.

سناك سوري-ناجي سعيد

أنا شخصيًّا مؤمن بالعلم، وأتّبع الطرق العلميّة لمواجهة أموري، ولكنّي آخذ بعين الإعتبار التجربة للسابقين، ولو أن الإختلاف يكمن في قدرة الناس على التعلّم. بمعنى أن هناك تجارب ماضية عديدة، تكرّرت بدون أي إضافة علميّة أو تعلّمية عليها، ومع ذلك نرى كثيرون يتبعوها بشكل عاطفي اعتباطي.

وما قد يفاجئ القارئ، هو معرفة أسباب “الدبكة اللبنانية”، فالكلّ يعتبرها فنًّا تراثيًّا فقط!! بالطبع، هي من الفنون التراثية، ولكنّ أسبابها مرتبطة بطبيعة البشر الخيّرة في منطقتنا، المُحِبّة لتقديم العون لأي شخص بحاجة لذلك. وما أقصده تمامًا هو ما غنّاه زكي ناصيف: “..نحنا صفّينا النيّة والله معنا دبكتنا إنسانيّة وعونة إخوان..” وهنا بيت القصيد، فأغنية زكي ناصيف ليست مجرّد كلمات ولحن شعبي، لا بل تحكي عن قيمة “العونة”، الذي تلخّصها الأغنية: “بتصفية النيّة ليكون الله معنا..” لقد كان المزارع يَبذر حبوب القمح في موسم البِذار، ومن الطبيعي أن بعض رشّ الحبوب في الحقل، لا بُدّ من غرسها في التربة لتنمو. وهذا ما كان يدفع أهالي القرية لتلبية دعوة صاحب الأرض، الفلاّح لإقامة الدبكة بهدف “عونة” المزارع، وقضاء وقت ممتع مع بعضهم البعض.

والسبب الآخر للدبكة كان أيضًا معاونة من يبني بيتًا-حيث كانت البيوت من الطين أو الآجر- وكانت هذه المادّة تحتاج إلى الرصّ لتتماسك، وهكذا كان أهل القرية يقيمون الدبكة على سطح المنزل قيد الإنشاء.

اقرأ أيضاً: نواب الشعب يديرون شؤونهم الخاصة – ناجي سعيد

هذه المُقدّمة الطويلة للدخول في الموضوع المطلوب الحديث عنه الآن. فبعد انتهاء الإنتخابات اللبنانيّة، بدأت حفلة جديدة من التحالفات التي لا تحكمها نفس معايير التحالفات ما قبل الانتخابات أو خلالها. ففي عالم السياسة لا يوجد معايير أخلاقيّة، ونادرًا ما نجد “أستاذ صيّاح” صاحب المبادئ الذي لا يغيّر رأيه حتّى لو على حساب “شوارب بونمر”ّ. بل نجد حزبين يتحالفا قبل الإنتخابات، حيث: “التحالف يُبرّر الوسيلة”.

وهذه الميكيافيلية التي نشأت في القرن السادس عشر، مازالت ترخي بثقلها على بلادنا في القرن الواحد والعشرين. فترى حزبًا بذل جهدًا ليتحالف على تشكيل لائحة، حيث الثغرة في القانون الإنتخابي تبدأ من حصر الترشّح على لوائح، ليس لتضمن وصول أفراد طامحين للتغيير بل لتضمن وصول الأحزاب التقليديّة إلى الندوة البرلمانيّة وذلك لضمان “التحالف” الذي يبرّر الوسائل غير المشروعة أمام الطموح لكلّ حزب ليحاول فرض لبنانه المختلف عن لبنان حزبٍ آخر، قد يريد سلامًا داخليًا، ضمن استراتيجيّة تكفل ضرورة عدم توقيع إتّفاق سلام مع عدوّ يطمح لإعتراف من لبنان بكيان صهيوني.

باستثناء أصدقاء لاعنفيين، وجدوا تخالفات نظيفة مع لوائح لبنانيّة ” تغييريّة”، ولم يحالفهم الحظّ بالوصول، وصل تغييريّون 17 من أصل 128 نائب. الإيجابيّة والتفاؤل تجعلني أعقد آملاً على التغييريّين أن ينتجوا نضالهم معًا بتحالف لا يبرّره الوسيلة، فينهمكون بتشريع قوانين في البرلمان ويصوّتون عليها، لتترجم حقوقًا حُرم منها الكثير من الناس، من فئات مهمّشة من حقّها التمتّع بها في لبنان.

فالزواج المدني من حقّ اللبناني الذي لا يملك ثمن تذكرة سفر إلى قبرص ليعقد قرانه هناك ويعود ليسجّله في لبنان. والمثليّة حقّ إنساني، لا أعرف لماذا يمنعه الدين المتحالف مع السلطة الفاسدة، فقط ليعود بالنفع المادّي على رجال الدين، الذين يقبضون رواتبهم من جيوب الناس! الإنتخابات هي الطريقة الديمقراطيّة، التي تُبرّر الحياة غير الديمقراطيّة للناس.

والطرق الملتويّة التي رأيتها خلال مراقبتي للإنتخابات، جعلتني أرى التواطؤ بين عاطفة الناس الخاضعة لعقول سياسيين فاسدة طامحة لإستمراريّة السيطرة. وكلّ ذلك، كان بسبب تحالفات تبريريّة لوسائل غير شريفة. آمل للتغييريين الذين خرقوا اللائحات التقلييديّة الراشية لسذاجة الناخبين، أن يتوفّقوا في عقد تحالفات لا تبرّر إلا تغييرًا منشود.

اقرأ أيضاً: العنف الانتخابي … عن شراء أصوات الناخبين – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى