الخسارة والرد بالكراهية – ناجي سعيد
بالتواصل اللاعنفي حياتنا تتّسع الخاسر والرابح.. الضرر في ردّ الخسارة وتحويلها أذى للآخر
سناك سوري- ناجي سعيد
أذكر تمامًا كيف كنّا نلعب في طفولتنا، وصيغة الجمع “نحن”، أقصد بها أولاد عمّي وأبناء الجيران أحيانًا.
وما أودّ لفت النظر إليه، وهناك العديد من العلماء الذين تحدّثوا عن أسباب بيولوجية ونفسية لصيغة الجمع، وتعمّق الموضوع مع نشوء سيكولوجيّة الجماهير و”الفيلسوف” غوستاف لوبون.
ودون اللجوء إلى هذه المراجع العلمية، سأعطي أمثلة من الواقع الذي عشته أثناء طفولتي، وبغضّ النظر عن الألعاب التي كنّا نلعبها (وأغلبها جسدية..) فقد كنّا وبشكل تلقائي، لم أعرف أسبابه حينها، ننقسم إلى مجموعتين، والمجموعتان على شكل عصابتين، ومصطلح عصابة يفضي بنا إلى طريقة تواصل عنيفة بين هذه المجموعتين، ففي العام 1994 تأسست منظمة تُدعى “عصبة الجنوب” تتبع أيديولوجية قوميّة البيض وسيادتهم، وقدّ صنفها خبراء بأنها جماعة كارهة تُحرّض على العنف على أساس تمييز عنصري يلغي الآخر والمختلف.
اقرأ أيضاً: كيف يظهر العنف الأسري وكيف ننهيه_ناجي سعيد
ومن الممكن أن الاشتقاق اللغوي للمفردات يعطيني انطباع لتشكيل صورة عن المفردة المقصودة، فمجموعة من جمع وتعكس تعاون جماعي، وهذا منحى إيجابي. أمّا الزمرة فواردة بالقاموس تحت تصنيف خانة عِلميّ الرياضيات والكيمياء، وتضم الزمرة عناصرَ تحمل الخصاص الكيميائية والفيزيولوجية نفسها. وبالتالي لا تستطيع التعاطف فيما بينها فهي لا تحمل بُعد قيمي أخلاقي.
إن الانخراط ضمن عصابة/مجموعة.. يغطّي الثغرات والفجوات الفردية من ناحية سلّم قيمه. فالصادق الذي تربّى عند أهله على الصدق، بالتأكيد سيكذب ضمن مجموعة أصدقائه، ولكن بنيّة حسنة، هي إثبات ذاته. الهويّة الفرديّة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا تعطيه الجرأة ليعترف بالهزيمة ويتقبّل الخسارة.
فالهوية الفردية التي صُنعت من قبل الجماعة، تكون ملطّخة بالكثير من النقاط السوداء. وتربويًّا من المؤكّد أن الكثير من الأشخاص اكتسبوا صفة من تراكم نظرات الآخرين. يأخذ الأخرون عنّي بأني “آدمي” وطيّب، فأصبح كذلك. وليس حرصًا على الطيبة و “الأودمة”، بل لعدم جرأتي وقدرتي على تغيير نظرة العالم لي.
اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للّاعنف..إنه نمط عيش_ ناجي سعيد
الجماعة تيّار يجرف بدربه الصفات الإيجابية والسلبية، مستندة على رافد وحيد، هو الانطباع الأوّل الذي أُخذ من اللقاء الأوّل. وقد يضطر المرء إلى التحلّي بشخصيتين، شخصيّة مع الأهل لإرضائهم، ومع الأتراب ليرضي نفسه. ومن ناحية أخرى وسلبية، يحقّق الكثيرون وجودَهم من خلال إبراز كرههم للآخر. وللأسف، كيف يمكن لرئيس (أسبق على الأرجح) وأقصد ترامب، أن يتعنّت في عدم قبوله الخسارة، على الرغم من الحرية والديمقراطية عندهم. وليس هناك من صعوبة قانونيّة، ففي القانون يمكنه الاعتراض، لكن في المجال التربوي المعني في بناء الشخصية، هل القانون يشفيه من مشكلة عدم قبول الخسارة.
من الصعوبة التخلّص من هكذا مشكلة، فعلاجها يبدأ بالتصالح مع ماضيه التربوي، فحين سألت ابنتي عن الصفة التي يعرفها بها الناس، إن كانت تمنعها من تحقيق صفاتها الذاتية، أجابت بكلّ ثقة وطمأنينة، مع الآخرين أكون كما يعرفونني ومع بيئتي أمارس هويتي بصدق ووضوح وشفافيّة.
وهذه الطريقة قد يراها البعض مجاملة. ولكن المقولة الشهيرة التي ينسبها البعض لطرفة بن العبد والبعض الآخر للخليفة عمر بن الخطّاب: “لكلّ مقام مقال”. وبمطلق الأحوال إن الشخصيتين لا تتضمنا كرهًا للآخرين، فبحديثنا عن انتخابات أميركا، من المُعيب أن يلجأ الخاسر إلى تلفيق تهم بالتزوير لتغطية هزيمته بشكل ديمقراطي، لا عيب في أن أخسر مرّة فالعيب الأكبر أن أُكرّر الأخطاء التي سبّبت خسارتي، وبالتواصل اللاعنفي حياتنا تتّسع الخاسر والرابح، ولا ضرر في ذلك، لكن الضرر في ردّ الخسارة وتحويلها أذى للآخر.
اقرأ أيضاً: التطرف ورد الفعل العنفي- ناجي سعيد