التجربة الديمقراطية السورية الأولى.. البرلمان و لجنة الدستور قبل 100 عام
المؤتمر السوري الذي أعلن الاستقلال و كتب أول دستور في تاريخ “سوريا”
سناك سوري _ دمشق
يسجّل التاريخ اسم “المؤتمر السوري العام” كأول برلمان يمثّل السوريين بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية و الصوت الأول الذي نادى باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية باسم “المملكة السورية العربية ” و الرحم الذي ولد منه أول دستور للبلاد.
نشأ المؤتمر السوري العام من تجمّع تسعين عضواً من جميع مناطق “سوريا” الطبيعية التي تشمل دول بلاد الشام الأربعة حالياً ( سوريا ، لبنان ، الأردن ، فلسطين ) أطلقوا من “النادي العربي” في “دمشق” أولى اجتماعاتهم و انتخبوا “محمد فوزي العظم” رئيساً للمؤتمر في حزيران 1919.
كان الهدف الأول للمؤتمر أن يكون هيئة سياسية تمثّل تطلّعات السوريين أمام لجنة تقصي الحقائق الأمريكية “كينغ – كراين” التي أُرسلها الرئيس الأمريكي “وودرو ويلسون” لاستطلاع آراء السوريين حول الاستقلال أمام مساعي “فرنسا” لفرض الانتداب على البلاد السورية.
نقل المؤتمر للجنة الأمريكية رفض السوريين انفصال الجزء الجنوبي من سوريا (فلسطين) ومناطق الساحل السوري (لبنان) عن الأرض السورية كاملة فأوصت اللجنة في رسالتها إلى مؤتمر الصلح بضرورة الحفاظ على وحدة سوريا.
ضمّ المؤتمر بين أعضائه ممثلين عن كافة المناطق و التيارات السياسية و الطوائف في “سوريا” فاستمدّ شرعية شعبية أهّلته للتصويت على قانون “استقلال سوريا” باسم “المملكة السورية العربية” و تتويج الأمير “فيصل بن الحسين” ملكاً للبلاد في نظام حكم ملكي نيابي، و شكّل المؤتمر أول لجنة دستورية في التاريخ السوري ترأسها “هاشم الأتاسي”.
أقرّ أعضاء المؤتمر الاستقلال الكامل و خرج سكرتير المؤتمر “محمد عزة دروزة” القادم من مدينة “نابلس” إلى شرفة مبنى بلدية “دمشق” في ساحة المرجة في 8 آذار 1920 ليعلن أمام الناس بيان المؤتمر حول الاستقلال .
اقرأ أيضاً :انتفاضة الاستقلال.. طريق سوريا إلى الحرية
بدأ “دروزة” بيان المؤتمر بقرار الاستقلال الكامل لأراضي “سوريا” بحدودها الطبيعية التي تشمل الأراضي التي اقتطعتها “تركيا” بالاتفاق مع “فرنسا” و “بريطانيا” في معاهدة “لوزان” ، إضافة إلى “فلسطين” أو “سوريا الجنوبية” التي طالب المؤتمر منذ ذلك الحين بوقف هجرة اليهود إليها و رفض المزاعم الصهيونية.
كما أشار بيان المؤتمر إلى رفض السوريين لمساعي التقسيم في اتفاقية “سايكس بيكو” و “وعد بلفور” و رفض نظام الانتداب جملةً و تفصيلاً ، كما لفت إلى التقسيم الإداري للبلاد السورية على شكل مقاطعات تكوّن وحدة سياسية لا تقبل التجزئة و تُدار باللا مركزية الإدارية.
بعد بيان الاستقلال و الفرحة التي عمّت المدن السورية من “دمشق” إلى “بيروت” و “القدس” تشكّلت أولى حكومات الاستقلال و عمل أعضاء المؤتمر على وضع أول دستور للبلاد تم إقراره بحلول تموز 1920.
واجه المؤتمر أيامه الأخيرة حين رفضه “إنذار غورو” الشهير و تسارعت بعدها الأحداث وهجمت القوات الفرنسية يوم 24 تموز 1920 واجتاحت الأراضي السورية وفرضت نظام الانتداب بالقوة العسكرية وسيطرت على حكم البلاد قرابة ربع قرنٍ من الزمن.
على وقع الحديث عن تشكيل لجنة دستورية سورية في العام 2019 يبدو المؤتمر السوري العام قبل 100 عام تجربةً رائدة لتجمع سياسيين سوريين من مختلف المناطق والآراء السياسية والطوائف والأديان وتمكّنوا معاً من تجاوز خلافاتهم بالروح الديمقراطية وكتابة أول دستور للبلاد نصّ على حرية المعتقد والعبادة والعمل وحرية الطباعة والنشر والعمل السياسي!.
وبينما كانت الدول الغربية تحارب ضد أعضاء المؤتمر كي لا يجتمعوا على طاولة واحدة فإنّهم قاوموا تلك المحاولات ووصلوا إلى قرار موحّد بالاستقلال في حين ارتبط جلوس السوريين مع بعضهم عام 2019 بقرار دول أجنبية للتوافق على دستور مستقبلي لـ “سوريا”!، ربما تجربة الأجداد عام 1919 تفيد أبناء القرن الحادي و العشرين في تجاوز خلافاتهم و تقديم ما يليق بتاريخ بلادهم.
اقرأ أيضاً :من دينار المملكة السورية إلى الليرة اليوم.. رحلة عملة بلادنا