الإنشاد الديني.. الطقس الدمشقي الغائب عن رمضان السوريين
ماذا تعرفون عن مراحل تطور الإنشاد الديني في “دمشق”؟
سناك سوري – شاهر جوهر
مرّ النبي “مُحمّد”(ص) بنسوةٍ كُنّ يمدحنه ويقلن (نحنُ نسوةٌ من بني النجار يا حبّذا محمّدٌ من جارِ)، ومنذ ذاك الحين تفنن المسلمون في الشام بالإنشاد والتهليل والتسبيح والمدح النبوي إلى يومنا هذا، حيث يفتقد سوريون اليوم على اختلاف مشاربهم وأماكن توزعهم في الداخل والخارج وهم حول موائد الإفطار إلى طقوس الإنشاد الديني التي كان ينقلها التلفزيون السوري من جامع “بني أمية الكبير”، بأصوات لا يمكن أن تغادر الذاكرة كالمنشد “توفيق المنجد” و”حمزة شكور” و”سليمان داوود” وغيرهم ك “أبو شعر” و”خورشيد” و”الحلو” ممن انزرعت أصواتهم وألحانهم في الأذهان فتحولت إلى عادة وواجب رمضاني لا يمكن الاستغناء عنه.
“أكرم” من دمشق يقيم حاليا في ألمانيا قال لـ “سناك سوري”: «لا أشعر بمتعة رمضان إلا حين أستمع لأناشيد الكبار من المنشدين قبل الإفطار، قبل الحرب كنت وأبي نفطر في الجامع الأموي حيث الآذان الجماعي لرابطة المنشدين والتهليل والمديح النبوي، وعلى الخصوص أنشودة “أتيناك بالفقر يا ذا الغنى وأنشودة أيها المشتاق لا تنم».
بالعموم ولأكثر من ثلاثمائة سنة زاول السوريون طقوس الإنشاد الديني وما يتفرع عنه من الآذان والأذكار والموشحات الصوفية ورقصات الدراويش، في جملة من العادات المتداخلة، وفي رمضان من كل عام وفي “دمشق” تحديداً التي انطلقت منها فكرة الانشاد الديني إلى باقي المدن السورية، بات الآذان الجماعي والتذكير والتسابيح والتراحيم والصمدية والتواشيح الدينية من العادات التي اعتاد سماعها وغناءها السوريون على امتداد البلاد عبر أثير إذاعة “دمشق”.
يعتبر الفقيه والمنشد الديني والشاعر الصوفي الشيخ “عبد الغني النابلسي” المولود في دمشق عام 1641 م هو من وضع أسس الإنشاد الديني في الجامع الأموي بدمشق، ومنه انتشرت إلى باقي المساجد الأخرى في المدينة وبعدها إلى بقية المناطق في البلاد، ولكننا اليوم فقدنا معظم الموشحات الدينية الخاصة به ولم يصلنا منها إلا القليل، إذ تنوعت تلك الموشحات ما بين الابتهال لله تعالى و المديح النبوي والمناسبات الدينية خصوصاً في شهر رمضان المبارك.
اقرأ أيضاً: سوريا تودع حسن الحفار مؤذن الجامع الأموي وشيخ المنشدين السوريين
حمل راية الإنشاد الديني في “سوريا” بعد الشيخ النابلسي، عدة أجيال من المنشدين ممن يمتلكون خامة صوتية غاية في الروعة، ومن المتمكنين في اللغة العربية ومن مخارج الحروف ومثقفين دينياً وتاريخياً، وعلى دراية بعلم العروض وشعر التفعيلة و بالنغمات والإيقاع.
لكن الإنشاد أخذ قفزة كبيرة بعد افتتاح إذاعة دمشق سنة 1947، حيث احتضنت الإذاعة العديد من المنشدين، الأمر الذي دفع جملة من المنشدين لتشكيل عدة فرق للإنشاد الديني نقلت أصوات جميلة للمستمعين لازالت عالقة في أذهان جميع السوريين، ومن هؤلاء المنشدين “توفيق المنجد” و”حمزة شكور” و”سعيد فرحات” و”سليمان داود” و “مسلم البيطار” و”عبد العال الجرشة” وغيرهم.
و تعتبر فرقة “رابطة المنشدين” التي تشكلت أوائل الخمسينيات من اندماج أربع فرق إنشاد ديني، هي “فرقة الشبان الحديثة” لـ “عبد العال الجرشة” و فرقة “توفيق المنجد” التي ضمت “نعيم أبو حرب” و”وجيه الحلاق” و “محمود الشيخ” و”عبد الوهاب أبو حرب” و”عارف الصباغ” و”عادل الشوا” و”رشيد شيخ أوغلي”، ومن ثم اتسعت في السبعينيات حين ضمت الرابطة إليها فرقة “حمزة شكور” وفرقة “سليمان داوود” فأصبحت واحدة من أهم فرق الإنشاد الديني إن لم تكن أهمها على الإطلاق في ترسيخ أسس وتقاليد الإنشاد الديني الدمشقي و التي ذاع صيتها ليس في “سوريا” فقط وإنما في الوطن العربي والعالم، حيث كانت تقدم أناشيدها عبر أثير إذاعة “دمشق” ومن ثم عبر التلفزيون والتي اتخذت من جامع “بني أمية” في “دمشق” مكاناً لنقل أغلب أعمالها الى المستمعين.
اقرأ أيضاً: حسن حفار الشيخ الذي غنى لأم كلثوم