الرئيسيةتقارير

الأمانة العامة للشؤون السياسية تعيّن اتحاد الكتّاب.. أين تتوقف صلاحيات وزارة الخارجية؟

ميشيل شماس: على الخارجية الانشغال بالعلاقات الدولية وترك الثقافة لأهلها

في خطوة أثارت استهجاناً واسعاً في الأوساط الثقافية السورية، أعلنت الأمانة العامة للشؤون السياسية (القسم الذي تم استحداثه مؤخراً وسط احتجاجات كثيرة) التابعة لوزارة الخارجية السورية عن تشكيل مجلس تسيير أعمال اتحاد الكُتّاب العرب.

سناك سوري-دمشق

الخبر بدا وكأنه هبط كالصاعقة على رؤوس كثير من الكتّاب والمثقفين السوريين، لم يكن مجرد إعلان إداري روتيني، بل كان بمثابة صفعة جديدة لآمال النخبة الثقافية التي كانت تتطلع لفتح صفحة جديدة من حرية التعبير واستقلالية المؤسسات.

المحامي لدى هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في “سوريا”، “ميشيل شماس” تساءل ما دخل وزارة الخارجية باتحاد الكتاب العرب؟ وما علاقتها أساساً بأي نشاط داخلي ثقافي أو سياسي؟”

واعتبر أن ما حدث نسخة مكررة من سلوك القيادة القطرية لحزب البعث، مستنكراً كيف أن وزارة يُفترض أن تنشغل بإدارة العلاقات الدولية، وإعادة الاعترافات، ورفع العقوبات، أصبحت فجأة وصيةً على الهيئات الثقافية داخل البلاد.

ميشيل شماس: ما حدث نسخة مكررة من سلوك القيادة القطرية لحزب البعث.

بل ذهب أبعد من ذلك، مذكراً بملفات أكثر أهمية تحتاجها سوريا مثل تصحيح وضع السفراء، وإنهاء سيطرة موظفي النظام السابق على السفارات، بدلاً من التدخل في تنظيم الأنشطة الأدبية، مطالباً إياها بترك الأنشطة الثقافية والسياسية لأصحابها.

الدهشة لم تتوقف عند الحقوقيين، بل امتدت إلى الصحفيين أنفسهم، حيث أعرب الصحفي عبد الله علي عن صدمته من انفلاش صلاحيات هذا الكيان الوليد: “يبدو أن صلاحيات الأمانة العامة لا ضفاف لها!”، مذكراً بأن هذه الأمانة، التي يفترض أن تركز على الإشراف على النشاط السياسي الداخلي وفق قرار استحداثها، أصبحت تتدخل حتى في تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، في تجاوز صارخ لمهامها الأصلية.

الصحفي عبد الله علي: الأمانة التي يجب  أن تركز على الإشراف على النشاط السياسي الداخلي وفق قرار استحداثها، أصبحت تتدخل حتى في تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، في تجاوز صارخ لمهامها الأصلية

هل القوانين مجرد ديكور؟

أما الباحثة رشا سيروب فقد فتحت ملفاً قانونياً بالغ الخطورة، مشيرة إلى أن هذا القرار مخالف تماماً للقانون الداخلي لاتحاد الكُتّاب العرب، الذي لا يزال ساري المفعول، ولم يتم تعديله أو إلغاؤه حتى اللحظة، مستندة إلى المادة 51 من “الإعلان الدستوري المؤقت“، التي تنص بوضوح على أن القوانين النافذة تظل سارية ما لم تُعدل أو تُلغ، متسائلة بسخرية موجعة: “بماذا يبررون هذا التخبط اليوم؟ زمان كان التبرير غياب الإعلان الدستوري، والآن؟ غباء أم تجاهل مقصود؟”

كما ذكرت أن العلاقة مع اتحاد الكُتّاب يجب أن تتم عبر وزارة الثقافة، لا وزارة الخارجية، مطالبة الحكومة بأن تتصرف كـ”حكومة تكنوقراط حقيقية” لا مجرد سلطة تصدر القرارات الاعتباطية بلا سند قانوني.

استقالة رئيسة فرع السويداء

وكان من اللافت، موقف الأديبة وجدان يوسف أبو محمود، رئيسة فرع السويداء في اتحاد الكُتاب العرب، التي أعلنت استقالتها فور صدور القرار، واصفة إياه بأنه «فرض وصاية على مؤسسة ذات تاريخ عريق»، وفق ما نقلت عنها شبكة الراصد.

في نص استقالتها، أكدت وجدان أن الاتحاد كان وما يزال منبراً للنخبة المثقفة، وأسسه كبار الأدباء السوريين. لكنها لم تستطع الصمت أمام ما وصفته بـ”استباحة النظام الداخلي” و”زحف الكتبة والمدعين”، الذين تُعيّنهم الولاءات السياسية لا الإبداع الحقيقي.

وختمت وجدان استقالتها قائلة: «الولاء السياسي ليس معياراً للإبداع، ولن أكون شاهدة زور على هدر القيم الأدبية والنقابية تحت أي ذريعة».

وكانت الأمانة العامة للشؤون السياسية قد أصدرت قراراً يقضي بتكليف مجموعة من الكُتاب بإدارة مجلس تسيير أعمال اتحاد الكتاب العرب، حيث ضم المجلس كل من، محمد طه العثمان (رئيساً)، ومحمد منصور، وفدوى عبود، وجمال الشوفي، ومحمد سعيد العتيق، ومروة حلاوة، ومحمد صارم، ومحمود عساف، وحسن عبد الكريم.

ويأتي هذا التعيين في ظل جدل واسع حول مشروعية تدخل وزارة الخارجية في الشأن الثقافي والنقابي، في وقت يتطلع فيه المجتمع السوري إلى تعزيز استقلالية المؤسسات الثقافية والنقابية.

زر الذهاب إلى الأعلى