إهداء من ممدوح عدوان ورسالة من عاشقة مجهولة.. كُتبَ على البسطات
صحفي سوري كان يغامر ويدفن الكتب في المزبلة حتى ينتهي هجوم داعش خوفاً عليها
سناك سوري – عمرو مجدح
في ساحات “الحلبوني” وتحت جسر الرئيس وغيرها من الأماكن الشعبية في “دمشق”، تتراكم على البسطات الفقيرة كنوز من عناوين نوادر الكتب لا تعلم مصدرها وكيف وصلت إلى هناك، متخليه عن مكانها الآمن في رفوف المكتبات، وعندما تقرر اقتناء إحدى تلك الكتب فأنت تأخذ معك سيرة صاحب الكتاب الذي سبقك، وقد تُفاجأ وأنت تقلب ذلك الورق الأصفر بإهداء موقّع من أهم الأدباء السوريين وتسأل نفسك من الذي قد يفرط بكتاب قيّم كهذا، ثم تستنتج أنه إحدى الكتب المهربة والناجية والخارجة من رحم ركام خلفته الحرب أو ربما باعه الورثة بعد وفاة صاحبه، وتيقن لحقيقة واحدة أن الكلمة لا تموت فالتاريخ مليء بقصص المكتبات التي دمرت إلا أن المخطوطات والكتب قاومت وانتصرت للبقاء.
رسالة من عاشقة مجهولة 1999
عندما شاهد المحامي والكاتب “رامي هاني الخيّر” رواية “يوميات سراب عفان” للكاتب “جبرا إبراهيم جبرا” وقرر شراءها من إحدى بسطات الكتب في منطقة “الحلبوني” بدمشق، لم يكن يعلم أنه سيكون مع موعد لحكاية أخرى أبطالها مجهولين سطرتها وخلدتها امرأة عاشقة بالحبر الأزرق على الصفحة الأخيرة من الكتاب موجهة رسالة طويلة لحبيبها قبل أن تهديه الكتاب في العام 1999 كما هو التاريخ في الإهداء ومما جاء في الرسالة : (ليتك قرأتني فأنا امرأة تشبه خرابيش القلم في مسودات الأدباء تشبه ما أرادوا الحديث عنه ثم مزقوه في لحظة ضعف ).
اقرأ أيضاً: دمشق توّدع العم “أبو طلال” عاشق الأوراق الصفراء و الكلمات المطبوعة
أثارت تلك الرسالة بعواطفها العاصفة فضول المحامي الشاب الذي قرر البحث عن كاتبتها وإعادة الكتاب إليها من خلال منشور كتبه على إحدى مجموعات الفيسبوك إلا أنه لم يتلقَّ رداً إلى الآن.
لا ينسى “الخيّر” تلك المشاعر التي اجتاحته وهو يشاهد مكتبة الكاتب “لؤي عيادة” ابن محافظة “دير الزور” وهي تفترش الأرض بعد أن باعها الورثة كما قيل له.
إهداء من ممدوح عدوان
يتذكر الكاتب الشاب “يوسف م. شرقاوي” يوم حصوله على كتاب موقّع من الشاعر الراحل “ممدوح عدوان” قائلاً لـ”سناك سوري”:« في مرة من المرات وقعت على مسرحية “ليل العبيد”، كان “ممدوح عدوان” أهداها لإنسان ما، وحولت الإهداء وجعلته كأنه كتب لي»، ويضيف “الشرقاوي”: «أذكر كان تاريخ الإهداء سنة 1976، تخيّلتني بمكتب “ممدوح عدوان” بالمعهد العالي، وكتب لي الإهداء هناك، وهو مشغول بكتبه، انتظرني لأغادر المكتب فما غادرت. “مش بهالسهولة”! وتخيلت إني بقيت “دابقو” بأسئلتي إلى أن طردني، أو استدعى أمن المعهد».
وعن علاقاته بالباعة والبسطات يقول الكاتب الشاب: «تحت جسر الرئيس، كان هناك رجل اسمه “أكرم كلثوم”، أبو طلال. بتلك الفترة – بداية تعرّفي على “دمشق” كطالب جامعي – كان “أبو طلال” رفيقي الوحيد بالمدينة. حيث اعتدت البقاء عنده طيلة النهار، و”بحبش” بين الكتب».
ويضيف: «بالعام ٢٠١٩، وقبلها أيضاً، عندما تم السماح بالعودة أو زيارة مناطق مثل “يلدا” و”ببيلا” وبعض مناطق الأرياف، وأثناء تواجدي عند بسطات الكتب تحت الجسر، كان يتوافد أشخاص إما حاملين كتب بكيس خيش كبير، أو – مثل ذات مرة – كانت الكتب موجودة بخزانة حديد فأحضروها كما هي. وبدوؤا بالطواف حول الباعة، لبدء المساومة. لمحت فيها كتب مثل: الأغاني للأصفهاني، ألف ليلة وليلة، كتب الجاحظ، أعمال دستييفسكي، تشيخوف، الأعمال كلها قيّمة، على الصعيد المادي تتجاوز مليون أو مليوني ليرة سورية. الباعة بمثل هذه العمليات متفقين، من بخس لأبخس، وفيما بعد قد يتقاسموا الكتب بين بعضهم».
اقرأ أيضاً: انتقادات لإزالة بسطات الكتب تحت جسر “الرئيس”
القاموس الضاحك ودفن الكتب المحرمة
كانت جملة (دخل بحوزتي عام 1976) على مقدمة كتاب “القاموس الضاحك” ترجمة “سمير شيخاني” سبباً لاقتناء الكاتب والصحفي “شاهر جوهر” للكتاب، ويعبر “جوهر” عن حبه للبسطات قائلاً: «أشعر أن بائع البسطة أقرب إلى ثقافتي وإلى بيئتي، بمعنى أنني أستطيع مساومته وأن أطلب منه تخفيض السعر، وأتناقش معه كما حدث لمرات عديدة حول كتاب معين، وهو مالا يحدث مع بائعي المكتبات عادة».
تعود ذاكرة “جوهر” للعام 2015 أثناء تواجد داعش بريف “درعا” الغربي، محاولين التقدم نحو قريته “صيدا الجولان” بالقنيطرة يقول: «كنت أخبىء الكتب بكيس مصنوع من الخيش وأدفنهم بالمزبلة، وعندما تنتهي الغارة أعود وأخرجهم، أمي حفظت الدرس، عندما لا أكون في البيت كانت تقلد خطواتي بوضع الكتب بكيس الخيش ودفنها».
وعن أسباب دفنه وإخفاءه للكتب يقول: « هناك سببين، الأول كانت الكتب محرمة لدى التنظيم، كلها كتب شيوعية وماركسية وأدبية. والسبب الآخر كنت أخاف أن يحرق البيت أو يدمر أثناء القصف وأخسرهم»، وهنا يتذكر الكاتب والصحفي يوم أنقذ مكتبة خاله الدكتور الجامعي بعد قصف بيته، ويضيف: « ذهبت وأخرجت مكتبته من تحت القصف ورحلتها إلى بيتي وعندما اشتدت المعارك قال لي: “دير بالك عليهن لان ما بقي عندي بيت” ، وكان سيعود ليأخذ مكتبته عندما تهدأ الأوضاع وتنتهي الحرب لكن الأخيرة باغتته وسرقت حياته، ولازالت كتبه عندي».
اقرأ أيضاً: الأغاني.. مكتبة أبو علي جاهزة لإعارة الكتب دائماً
الابتعاد عن الكتب المسروقة
لا يقتني “الوليد كردية” مالك “مكتبة كردية” الشهيرة في مدينة “اللاذقية” كتابا بناءاً على وجود إهداء ما عليه، ويقول لسناك سوري : «أرى الإهداءات حالة شخصية جداً، فهي لن تلامسني طالما أنا لست طرفاً فيها، ولكن إن رأيت إهداء على كتاب قد تلامسني حالة من الفضول حول ذلك الإهداء»، يصف “كردية” علاقته مع بائعي البسطات قائلا: «أذهب لإحدى بسطات اللاذقية دوماً، لأتفرج وقد أشتري أحد الكتب التي فقدت تماما ًمن المكتبات».
يتذكر “صاحب المكتبة” بحزن عندما قرر أحد الأصدقاء أن يبيع مكتبة والده وجدته بسبب الأوضاع المادية، ويضيف حول الكتب مجهولة المصدر : «أحاول دوما الابتعاد عن حالة الشراء التي يلفها الغموض كالكتب المسروقة».
اقرأ أيضاً: مكتبة “كردية” 80 عاماً من الكتب.. من هنا مر “حنّا مينا وممدوح عدوان”