في مثل هذه الأيام من عام 1992، قرّرتُ أن أكون “نباتيًّا”!. لماذا؟ حين أفكّر بالإجابة على هذا السؤال، وكي أكون صادقًا. لم يكن عندي الوعي الكافي لأناصر الفئة المعادية لقتل الحيوانات فقد كان تفكيري متعلّق بهويّتي الفردية المُستقلّة عن الهويّة الجماعيّة.
سناك سوري-ناجي سعيد
لم أختر اسمي، ولا شكلي، ولا لوني، ولا ديني أو مذهبي.. مع العلم بأنّ هويّتي الجماعية-العائلية، حيث وُلدت- كانت حاضنة للإستقلالية تمامًا فلم يفرض والداي على أحدٍ من أبنائهما معتقد أو أي نمط أيديولوجي يُتبع. لذا حين أخبرت والدتي بقراري، وافقت أن تُعدّ لي الطعام، دون أن تضيف اللحمة أو الدجاج أو السمك، ولا حتّى “المرقة” في الطعام!.
وقد سهّل على أمّي تنفيذ طلبي، مجيء زوجة أخي الأوكرانية، لتعيش معنا بعد عودة أخي من دراسته هناك، فقد كانت نباتية ولا تأكل اللحم. فلم يستوعب أصدقائي القرار، وكنّا ننفذ أنشطة صيفيّة في شهر تمّوز 1992، ففي وقت الغداء، كانوا يُحضرون لي “سندويش” الدجاج أو الشاورما، ممّا اضطرني لأن آكل لأستمرّ في نشاطي. وقد كلّفني ذلك لأن أُعلن لهم بأنّي قرّرتُ أن أكون “نباتيًّا”.
وكان ذلك يومًا سجّلته في تاريخي الشخصي، 4 آب 1992، إلى أن لطّخته السلطة اللبنانية بإنفجار العصر (4آب 2020)الذي أودى بحياة 218 بريئًا وجرح حوالي ال7000 شخص وهدم الكثير من البيوت. كلّ عام كنت أفتخر بنفسي عبر المنصّات على وسائل التواصل الإجتماعي، مُعلنًا عدد السنوات التي أمضيتها بإلتزامي “النباتيّة”! أمّا الآن، وبعد مرور ثلاثين عامًا، أود أن أشارككم أهمّية التزامي بهذا القرار، والسبب المباشر، كان التفاعل السلبي الذي وصلني من القرّاء (عبر الفايسبوك والواتساب) بعد قراءة مقالتي عن موقفي الصارخ، ضدّ الذبح في عيد الأصخى!.
اقرأ أيضاً: عيد الأضحى والذبائح .. ماذا لو كان لا عنفياً؟ ناجي سعيد
فالذبح هو فريضة “حلال”، فرضها الدين على الناس استنادًا إلى قصة النبي ابراهيم، حيث أرسل الله له كبشاً يستعيض به عن ذبح ابنه. أي نعم، ليستسهل الناس مأساة ذبح الأنعام (الإبل والخرفان..)، قد أوحى الله لنبيّه ذبح ابنه، فقد كان اختبارًا للطاعة. وأنا استنادًا إلى تربية تلقّيتها من أبي وأمّي، أيقنت أنّ لا طاعة لأي شخص يأمرني بإلغاء الآخر!! أو ليس الحيوان هو “آخر”. فهو مخلوق، يختلف عن البشر بخاصّية “النطق”، فالإنسان كما يُعرّف هو حيوان ناطق. لا يختلف الحيوان الناضج، عن الطفل الصغير إلا من جهة المشاعر والأحاسيس، فالإثنان عاجزان عن النطق! والإختلاف هو بأن عملية الإنجاب للطفل، تعطي الوالدين صفة ” التملّك”.
تخوّل الأهل -بحسب اعتقادهم- القدرة على النطق نيابة عن ابنهم/ابنتهم. فيقوّلونه/نها ما يريدون هم لا ما يريد الطفل! والآن بعد مرور ثلاثين عامًا إلاّ بضعة أيام، أصبحت أشعر بحقّ الحيوانات الأليفة والداجنة بالعيش. وقد أقتنعت علميًّا بما قاله “المُفكّر” كمال جنبلاط، في كتاب له قرأته عن “النباتيّة”، بأن الخروف أو البقرة، حين يُذبحا- حتّى على الطريقة الحلال- فإن شعور الخوف والرعب الذي يعتريهما، تنتقل هذه المشاعر عبر الأنسجة، فتتحوّل إلى وحشيّة تفتقد إلى الرحمة والعطف. ليكون آكلها – وخاصّة إذا أُكلت اللحمة نيئة- شرسًا، فيزيد مستوى العنف عنده.
ويُنقل عن الإمام عليّ أيضًا قوله: “لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات”. وقد عنى بهذا الحديث عن خطورة التعرّض للامراض عند تناول اللحم، وخاصّةً النيئ منها.
وأخيرًا، أنا ناضلت ضدّ عقوبة الإعدام، والشيء بالشيء يُذكر، كيف نقتل قاتلاً لنقنعه بأن لا يقتل؟ أو ليتّعظ غيره فلا يقتل؟ برأيي الخوف يقتل أكثر ولا يُعلّم أحدًا. نباتيّتي الثلاثينيّة طردت الخوف من داخلي، فأنا لا أخاف الله.. لأن أحبّه، فهو وهبني الحياة، ولا أعتقد بأنّه يوحي لي بقتل نفسي وقتل الآخر.
اقرأ أيضاً: الخوف من التغيير – ناجي سعيد