خرج من باب مدرسته يركض نحوي وهو يرتدي حقيبته، نط خلفي راكباً الدراجة النارية ثم تشبث بظهري كمن يركب حصاناً، سألني بلَهَج إن كانت الكهرباء لازالت مشتعلة وبدأ وقت التقنين، ثم طلب الإسراع ليكمل متابعة “غامبول” فيلم الكرتون المفضل لكلينا.
سناك سوري – شاهر جوهر
قدت الدراجة وسرت بنا إلى المنزل، على الطريق سألته كما يفعل أي أب يرغب في معرفة كيف كان نهار ابنه في الروضة، فقال بسأم:
– لقد سألتنا المعلمة ماذا نريد أن نصبح حين نكبر؟
– ها وماذا أجبتها؟
– قلت لها سأصبح كبيراً مثل أبي، لكنها ضحكت.
ضحكتُ أنا الآخر وأوضحت له أنها تقصد هل تريد أن تصبح مدرساً أم طبيباً أم مهندس، شيء نافع لك و لعائلتك وللمجتمع.موقع سناك سوري
فقال بشيء من عصبية:
– وهل (الزلمة) مثلك ليس له نفع للعائلة والمجتمع؟
– مممم، بلى لكنه غالباً ما يكون عاطلاً عن العمل.
مط رأسه نحوي قليلاً وصاح كي يبلغ سؤاله أذني:
– وأنت ماذا تريد أن تصبح حين تكبر؟
اقرأ أيضاً: عُقدة التسعينيات وعُقد 2022 ومابعدها- شاهر جوهر
حين كنت صغيراً كنت أنوي أن أصبح طبيباً، حلم كل الريفيين، لكن لو تسنى لكل شخص منا تحقيق أحلامه لكانت بلادنا الآن مشفى كبير للمجانين. لكن بدل قول ذلك له تكوّم لساني مشلولاً أمامي وشردتُ عن الإجابة، ألقيتُ نظرة محزونة إلى مرآة دراجتي، عدلتها خلال قيادتي لتظهر مراغم وجهي، خطوط الشيب على صدغيّ أخذت تحتل قُصة رأسي، عيناي الغائرتان حزينتان منهزمتان. أمام تلك الصورة المنكسرة لعجوز في الثلاثين كان ينبغي أن أقول له أني سأصبح مومياء أو مستحاثة، فهذه الحرب أكلت أحلامنا كما التهمنا الشيب، لكنني لم أتفوه بحرف، لأنه سيدرك يوماً أنه هو – (أبناؤنا) – ما نريد أن نصبحه يوماً. وحين يكبر سيدرك أن المرء في بلادنا يصبح وهو في الثلاثين على ما هو عليه من العجز والشيخوخة فقط حين يتوقف الآخرون عن سؤاله ماذا يريد أن يكون حين يكبر، فينزوي في زوايا شحيحة الضوء ليتمنى لو أنه يعود طفلاً.موقع سناك سوري.
لهذا صِحت على الطريق الريفي الزلق وأنا أضغط على البنزينة مسرعاً: (دعنا نلحق الكهرباء لنكمل “غامبول”).
اقرأ أيضاً: اللي استحوا ما ماتوا – شاهر جوهر