أصحاب المهن الفكرية.. ملاحقة شباب وشابات لمقاسمتهم فُتاتهم
بعد اكتشاف وجودهم.. كيف ستدعم الحكومة أصحاب المهن الفكرية؟
إن لم تستحِ افعل ما شئت، هو أكثر مثل شعبي معبر عرفته طيلة سنوات حياتي التي شارفت الـ40 عاماً، لا أعلم لماذا خطر في بالي. بينما كان المفروض أن أبدأ بالحديث عن “المهن الفكرية” التي اكتشف المسؤولون وجودها في بلادنا مؤخراً، وها هم يعملون على منح أصحابها سجلات تجارية. (وأوعكم تفكروا كرمال الضرائب أو رفع الدعم، ما عاذ الله كل القصة ليسهلولنا حياتنا).
سناك سوري-رحاب تامر
بدأ صباحي هذا برسالة من زميلتي في المهنة الفكرية التي نعمل بها، وهي ترفع راية الاستسلام، وتخبرني أنها تود ترك العمل. بسبب ظروف الإنترنت من جهة وبسبب الموبايل واللابتوب القديمان اللذين تمتلكهما من جهة ثانية، وعدم قدرتها على الاستمرار بدفع تكاليف صيانتهما. وبالنسبة للتفكير بشراء أجهزة جديدة. (إي شو قالولكم عنها بتشتغل أميرة حرب لتقدر تشتريها؟).
كأي سورية أخرى مدفوعة بعبارات الصمود والقتال حتى الرمق الأخير، حاولت إقناعها بالتفكير ببدائل أخرى غير ترك العمل، ومنحتها نصيحة ما. ثم مضينا نكمل يومنا كأي يوم “فكري كارثي” آخر في هذا البلد.
طالما أنكم قلتم أن الهدف ليس فرض الضرائب (رغم أنه يُشك)، ربما كان ماتريدونه رفع الدعم عنا، على اعتبار أننا نأخذ رواتب “هالقد قدها”، قلت في نفسي أنا المنتفخة من شر مسؤولي هذا البلد. الذين أود إخبارهم أن عملي الفكري الذي أعيل به عائلة كاملة بعد أن فقد شريكي بها عمله نتيجة إجراءاتهم الاقتصادية الفذّة، يكلفني أحياناً أكثر ما أنتجه منه.
اقرأ أيضاً: الحكومة السورية تواجه هجرة الشباب بالسعي لتوفير حياة كريمة لهم
كمثال على حديثي أعلنت البطارية التي أستخدمها لشحن لابتوبي وهاتفي الجوال، نفوقها بعد 5 أشهر فقط من الاستعمال، ما اضطرنا للبحث عن موارد مالية لشراء واحدة أخرى جديدة. نجحت المساعي وتوجهنا لعند البائع وهو مهندس مختص، هناك لُمته على البطارية التي لم تصمد عاماً كاملاً كما العادة.
وأخبرني وأنا على ثقة بحديثه نظراً لعلاقة شخصية تربطنا به، بأن السبب هو التقنين صاحب الربع ساعة، فالبطارية تحتاج شحن لأكثر من ساعتين حتى لا ينتهي عمرها سريعاً.
واستمر النقاش بحثاً عن حلول أخرى، كون البطارية التي اشتريناها سنضطر لتوديعها بعد عدة أشهر طالما أن الكهرباء تأتي ربع ساعة فقط. وكان الحل بشراء لوح طاقة شمسية محمول يوصل على البطارية مباشرة، ولا يوجد أي حل آخر على الإطلاق.
ثمن البطارية 325 ألف ليرة، واللوح 200 ألف ليرة، مع عرض بالتقسيط بحكم العلاقة التي تربطنا بصاحب المحل. حسناً هذا ترف لا يملكه الكثير من أصحاب المهن الفكرية، مثل صديقتي مثلاً والتي لا تملك حتى ثمن تغيير هاتفها أو لابتوبها القديم.
بعملي بمهنة فكرية من المنزل، أنا وغيري نساعدكم، نخفف من أزمة المواصلات التي “ماعرفتوا تحلوها”. ونريحكم من همّ تأمين عمل لنا، كافئونا بتقديم كهرباء وإنترنت جيدين لنتابع عملنا، فكروا أن تدعمونا عوضاً عن أن يسيل لعابكم على فتاتنا.
لا أريد سجل تجاري “مسامحين فيه دنيا وآخرة”، تماما كما أنتم مسامحين بكل الويلات التي تلحقوها بنا وبكل المآسي التي تتسببون لنا بها.
قبل أن أنهي حديثي التشاؤمي هذا، أود أن أخبر السادة أصحاب المعالي، أن العديد من الشباب والشابات وجدوا أعمالاً يعتاشون منها بعيداً عن خزينة الدولة. فهل الحل بملاحقتهم وفرض ضرائب عليهم؟ أم يجب شكرهم وتشجيعهم، وإن كانت الضرائب “المفترضة” تحصيلاً حاصلاً هلا تمنحونا بعض الخدمات مثل إنترنت جيد (خارج تصريحات المسؤولين عنه بأنه جيد) وساعتي كهرباء في الفترة الواحدة، وتأمين صحي لعلاج أوجاع الرقبة الناتجة عن العمل ساعات طويلة خلف الشاشة. فإن كنتم عاجزين عن ذلك “دعونا نعمل لنأكل دون أن تقاسمونا حتى الفتات”.