الرئيسيةرأي وتحليل

هل تعلمون كم تبلغ نشرة أسعار الغذاء بالسجن؟ – أيهم محمود

هكذا تتعلم أصول الإجرام الصحيح!

سناك سوري-أيهم محمود

يوجد فوق كوكب الأرض العظيم بلدانٌ كثيرة يحدها من الأعلى والأسفل قاعٌ عميق، بلدانٌ، السجون فيها، مدارسٌ رفيعة المستوى، بل جامعات متخصصة لتعليم قواعد الإجرام الصحيح، لا يجب ترك المجتمعات الإنسانية لفوضويتها، بل يجب تنظيمها وإخضاعها للقواعد والنظم العامة وفن الإجرام ليس استثناءاً لهذه القاعدة، حُسن اختيار العصابة التي سينضم المجرم إليها هو أول الدروس الهامة التي يتوجب عليه فهمها بشكلٍ علميٍ دقيق.

في سجنٍ على هامش مدينة، على هامش حياة، مشى المحكوم بسرقة قطعةٍ كهربائية صغيرة من متجرٍ في حيّه إلى المكان المخصص لبيع الخضار والمواد الغذائية، نظر إلى قائمة الأسعار التي تم تعليقها على الحائط من أجل ضمان الشفافية والثقة وعدم غبن السادة نزلاء السجن، لم يكن اللص الصغير قد نسي بعد أسعار الأسواق في الخارج فقد دخل إلى هذا السجن السعيد قبل يومين فقط.

كل الأرقام أعلى بمقدار نصف سعر المادة وأحيانا الزيادة في السعر تبلغ الضعفين، لا توجد إمكانيةٌ تُذكر للفرار من قدر الشراء من هنا، طعام السجن قليل الكمية ومصنوعٌ بطريقةٍ تجعل الشراء من هذا المكان فعلاً إلزامياً لا يمكن الفرار منه إن كان الإنسان يريد أن يبقى على قيد الحياة وقيد الصحة، هي حلقةٌ مرعبة لانتزاع المال من النزلاء، ومن لا يملك المال ليس أمامه سوى الانصياع إلى شروط الاستعباد غير المعلنة في هذا المكان، درسه الأول كان الوقوف أمام لوحة الأسعار وقراءتها عشرات المرات محاولاً فهم كل تفاصيل أيامه القادمة هنا.

اقرأ أيضاً: إن أتتك رياح الكورونا فاغتنمها – أيهم محمود

ليس هناك تفاصيل مهمة في آلية صنع طعامٍ غير مقبول إنسانياً، قصة الطعام لا تستحق السرد، ما يستحق الرواية هو رؤيته لتقاسم الأموال في المساء، فقد رماه الحظ في غرفة النخبة، غرفة المساجين العاملين في اقتصاد السجن، رأى بعينيه مقدار الأموال التي تصل يومياً إلى السجين الأهم رتبة والذي يتفاعل مباشرة مع إدارة المكان، كل شيء يسير بدقة وانتظام، وإن لم تملك المال الكافي هنا ليس لديك إلا الجوع والاستعباد.

راقب المال المتدفق بين أيديهم نتيجة احتكارهم لقمة الأكل وبقية الخدمات، ما يتم جنيه في يومٍ واحد من أرباح أكبر من قيمة القطعة التي سرقها بمئات المرات، يصل القسم الأكبر من المال إلى من يستطيع غض النظر عن سوء الطعام في هذا المكان لكي تستمر هذه التجارة المزدهرة بجني أعلى الأرباح، لماذا سُمي عمله سرقة ولم يُسمى تجارةً حلال، هو أخذ أرباحه من المجتمع بالقوة والإكراه وهم يفعلون الشيء ذاته.

خلال شهرٍ واحد تعلم النزيل الجديد أصول الإجرام الصحيح، يجب أن تكون قوياً ليعتبر المجتمع أموالك التي تجنيها حلال، لا يهم نوع النشاط التي تقوم به بل ما يهم حقاً هو الانتماء إلى الجهة الصحيحة في معادلة الاقتصاد، سيخرج من هنا ليبحث عن رب عملٍ مميز في هذا المجال ليتابع مهنته التي أحبها وليصقلها بالخبرة والوعي، لم يعد يشعر بالعار الذي اجتاحه بعد القبض عليه وإيداعه في السجن فالجميع يسرقون هنا.

بدأ برؤية العلاقات الاجتماعية بشكلٍ مختلف، فهم أسباب اضطراره للسرقة قبل دخول المركز التعليمي الهام، لكنه لم يذهب إلى ضرورة إحداث تغيير اجتماعي جذري كما يقول زميله السجين السياسي في السرير المجاور، بل اقتنع بضرورة إكمال حياته المهنية وفق الأصول والقواعد المرعية، على الأقل إن دخل السجن مرةً أخرى سيكون من مجتمع النخبة فيه وليس من مجتمع الذين يقفون عاجزين أمام الصدق والشفافية في نشرة الأسعار.

اقرأ أيضاً: نخب علمية لم تَرُدّ لمجتمعها تضحيته – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى