لعنة السلاح .. بين العنف المقدس والتفريغ النفسي _ ناجي سعيد
العنف المُقدّس شرّع باسم الدين قتل كلّ من خالفه كما فهمه القتلة
عَرِفَ ألفرد نوبل – صدفةً- رأيَ الناسِ باختراعاته التي كانت المساهم الأكبر في تطوير الحروب في العالم. بعد أن نُشر خبر موته خلال تفجيرات وتجارب كان يُنفّذها، والخبر كان عن طريق الخطأ فقد كان الميت أخوه “لودفيج”.
سناك سوري _ ناجي سعيد
و”تطويرالحروب” هنا بين قوسين (بصوت سلنغو). فهل يُعتبر اختراع مواد متفجّرة وأسلحة تطوّرًا ؟ إنّ الفائدة الوحيدة من الديناميت. الذي اخترعه “نوبل” تسهيل مهمّة عمال المناجم، فهم بحاجة إلى تكسير الصخور الكبيرة، فأعانهم الديناميت على تفجيرها بسهولة.
“وقد ورد في نعي إحدى الصحف الفرنسيّة حين نقلت خبر وفاة “نوبل” الخاطئ عبارة «تاجر الموت ميت». وأضافت الصحيفة الفرنسية: «الدكتور ألفرد نوبل، الذي أصبح غنياً من خلال إيجاد طرق لقتل المزيد من الناس أسرع من أي وقت مضى، توفي بالأمس».
شعر “نوبل” بخيبة أمل مما قرأه وارتابه القلق بشأن ما سيكتب عنه بعد موته وكيف سينظر الناس إليه. ولكن، هل من اختراع، كان هدفه راحة الإنسان، لم يساء استعماله؟.
أسوأ وظيفة للسلاح هي استخدامه باسم الدين، سواء تحت عنوان “العنف المقدس”. أو عنوان “الحرب العادلة”. رفيق خوري
ويتبادر إلى ذهني فورًا “الفايسبوك” فهل يتبادل روّاده المعرفة والفائدة؟ أم يتباهوا بأوراق النعوة، دون مراعاة موقف ورأي المرحوم!!
إنّ الأزمة، أزمة تربويّة مجتمعيّة برأيي. فلو خضنا الحديث عن أضرار السلاح، لما استطعنا حصر عدد الضحايا التي أنتجها استعمال السلاح -ليس فقط المُتفلّت-. ولو لم يكن عن طريق الخطأ بحسب مُستخدمه. فهل يجوز إضافة الصبغة الدينية لتشريع استخدام السلاح؟.
العنف المقدس
وكما قال “رفيق خوري” في مقال عبر “إندبندنت عربية” أن أسوأ وظيفة للسلاح هي استخدامه باسم الدين، سواء تحت عنوان “العنف المقدس”. أو عنوان “الحرب العادلة”.
ومن الطبيعي أن ينزعج الناس من انتقادي العلاقة بين الدين والسلاح. فالناس تتوارث المُعتقد بشرعيّة العنف وتحديدًا السلاح. دون اللجوء للبحث والتدقيق. والفكرة المُبهمة وغير الواضحة، عن الدين الإسلامي مثلاً، بأنّه دين الفتوحات. والمساحة التي أضاء عليها الإعلام تاريخيًّا، هي “نشر الدعوة بالسيف” التي تلخّص فكرة العنف المقدس. وهذا ما سهّل الطريق إلى الإيمان بشرعيّة العنف. دون أن يذكروا على الأقلّ -ولو كانت محاولة غير مُجدية- بأنّ رسول الله كان إذا أرسل مُوفدًا من قِبَلِه. إلى القبيلة التي يريد “غزوها”، يقول له: ” أقرِئهُم السلام”!
بمعنى أنّه لم يكن يباشر المعركة دون عرضه السلام. وتبقى الإشكالية الأكبر التي لا يجرؤ أحد على نقاشها، من الذي أمرنا بارتكاب العنف واستخدام السلاح؟
أثناء محاضرة في العام 1993 على ما أذكر، نظّمتها “حركة حقوق الناس” -لمؤسّسي جامعة أونور حاليًّا- وقد ألقاها ثلاثة من رجال دين من طوائف مختلفة/ وأجمعت الأديان بحسب المُحاضرين، على نبذ الدين للعنف.
وبالتأكيد، بما أنّي أثق بالمصدر المُنظّم للمحاضرة، يمكنني اعتبار المراجع الدينية المُشاركة موثوقة. والاستنتاج الحتمي كخلاصة رأيي بالموضوع: السلاح الذي هو من صنع البشر، واستخدامه يكون من قِبَل قليلي الحيلة الذين لا يسعون لإيجاد طرقًا لحلّ مشاكلهم غيره.
لا يمكن أن نستغرب الآن، أن نسمع عن خبرًا عن فئة إسلاميّة مُتطرّفة اغتالت مسؤولاً في تنظيم سياسي آخر! فالعنف المُقدّس شرّع باسم الدين قتل كلّ من خالفه. كما فهمه القتلة. ناجي سعيد
الغاية النفسية لاستخدام السلاح
أحيانًا كثيرة يمثّل الولد دور مطلق النار مستخدمًا أصابعه على شكل مسدس، أو أنه يصنع مسدسًا من خشب، المهم هو الدلالة وليس الأداة، وإذا لجأ إلى ألعاب مماثلة، فذلك يعود بحسب علم النفس إلى سببين أساسيين:
الأول حاجة الطفل إلى إخراج كل ما في داخله من طاقة. والثاني أنه يريد التشبه ببطل أسطوري ما، فيستخدم أساليبه وأسلحته. فبواسطة ألعاب اللّيزر يمكنه أن يصبح بسهولة البطل الذي يريد. ويمارس مغامراته، ويسعى إلى النجاح والتألق.
غالبًا ما يقلّد الأطفال الأبطال الخيّرين الذين يسعون إلى إحقاق الحق ودفع الظلم ومحاربة القتلة. فالغاية من وراء استخدام السلاح، هي نفسيّة حتمًا.
وإشكاليّة استخدام السلاح طرحها المُخرج “Arthur Penn” في فيلم ” بوني أند كلايد” بطريقة ذكية وغير مباشرة. فاشتهر اللصّان “بوني و كلايد” باجتذاب تعاطف المشاهدين معهما. وقد أوصلت معهما أحداث الفيلم إلى اللجوء للقتل، وذلك في ظلّ تعاطف الجمهور مع اللصّين الظريفين بابتكار طرق لسرقة محطّات الوقود، ثمّ المصارف نتيجة وضع الكساد الذي كان في “تكساس”.
والتجربة التي ذكرت هي خير برهان على أن من يستخدم السلاح لتحديد مآربه، فهو يمرّ بأزمة على المستوى النفسي متعلّقة بدايةً، بتحقيق ذاته.
وكي لا ينفعل القارئ ويعتبر ما أقول اتّهام قد يشمل أي سلاح حتى ذاك الموجود لغاية مُقاومة مُحتلٍّ أو غازٍ، بالطبع لا. فلا تشبيه يجمع بين الغايات الفردية لدوافع شخصيّة وبين المقاومة الشعبية المسلّحة لأي احتلال بدافع رفع الظلم عن الجماعة.
وأخيرًا لا يمكن أن نستغرب الآن، أن نسمع عن خبرٍ عن فئة إسلاميّة مُتطرّفة اغتالت مسؤولاً في تنظيم سياسي آخر! فالعنف المُقدّس شرّع باسم الدين قتل كلّ من خالفه. كما فهمه القتلة.
https://youtu.be/9Nyug7MfeHM