كيف يخطئ الإنسان استخدام مشاعره؟ _ ناجي سعيد
الإحترام.. القيمة لا تُعطى ضمن وصفة عُمرية ولا يمكن أن تستثني أي مخلوق..
سناك سوري- ناجي سعيد
كيف يخطئ الإنسان استخدام مشاعره؟ أو بالأحرى كيف يمكن لإنسان تحريف هدف المشاعر؟ ولتوضيح ما أقول، لقد تذكّرت تعبيرًا كنت أسمعه من بعض الأهل ومن المعلّمين/ات في المدارس حين يوجّهون اللوم للأطفال: “اسم الله حولك وحواليك”.
ومن معنى هذه الجملة قفز الطفل الذي أراه داخل الناس، وهتف بصوتٍ عال: لا دخلَ لكم بـ”حولي وحواليّي”، وسأريكم ماذا سأفعل “أنا”، وكيف أتصرّف تجاه العديد من الأمور الحياتية.
عندما وضعنا اللمسات النهائيّة على دليل “حولي وحواليّي” أنا والفريق التربوي (منى،حسن،علي..) كان الهاجس الذي يشغل بالنا هو وضع النقاط على الحروف (كما يُقال) فكيف لو كانت الحروف هي مكوّنات شخصيّة الإنسان؟ والنقاط وجهة استخدام هذه الحروف. كلٌّ في مكانه. لقد تلقيّتُ تربية سليمة من أبي وأمّي (أطال الله بعمرهما)، وهذا لم يعيقني من ملاحظة الكثير من الأهل الذين يستخدمون التعابير الإيجابية المعنى ولكن بهدف اللوم والسخرية والتنمّر أحيانًا.
اقرأ أيضاً: التغريد بعيداً عن منطق التربية ناجي سعيد
فحتّى الآن لم أفهم ما كان قصد معلّمتي (أمال) في الصفّ الأوّل من المرحلة الابتدائيّة، والتي كانت ردّة فعلها حين تعلم أن أحد الطلاب نسي دفتره في البيت، فكانت تسارع في القول: “ينساااك الموووت”. وكنت أخفي تفكيري الباطني الذي أظهره الآن وأحاول فهمه: ” لو نَسِيَه الموتُ فعلاً.. فهذا شيء جيّد، وكنت في عمرٍ لا يُدرك أنّ فكرة الخلود للخالق فقط. فكنت أعتقد أن ما قالته المُعلّمة سيحصل بالطبع، فهي مُعلّمة وتعرف كلّ شيء. لكنّ التناقض بالنسبة لي والذي أغرقني في حيرةٍ طالت كثيرًا، كيف تطلب من الموت أن يَغفل أمر الطالب الذي ارتكب سلوكًا خاطئًا؟ وكانت واضحة تعابير الغضب المرسومة على وجه المُعلّمة. فهل يمكنها أن تُعلن شيئًا إيجابيًّا وتضمر في الوقت عينه سلباً للطالب؟ وفي الإجابة على السؤال، نعم لقد أمكنها ذلك، لكنّ المشكلة في التأثير السلبي على المسار التعلّمي غير الصحيح لطفلٍ ما زال في طور نموّ الجانب العاطفي. فبناء شخصيّة الطفل ترتكز على أربع جوانب: عقلي/ جسدي/ روحي وعاطفي، وهذا الجانب الأخير لا ينمو إلاّ ببيئة إجتماعية سليمة. وهذه البيئة الإجتماعية لا بدّ لها أن تتزوّد بوعي تربوي ينتج بيئة حاضنة ينمو الطفل في كنفها بشكلٍ سليم.
قد لا تعير مُعلّمة الصف إنتباهًا -في كلامها الموجّه للطفل الذي وصمته بالمُهمل لنظامٍ هي جزءٌ منه- أنّ هناك طفلاً آخر قد يتأثّر سلبًا من توجيه الإهانة للطالب المهمل، مع التأكيد على الأثر السلبي على هذا الأخير بالطبع، وبغضّ النظر عن تعصّبي وتحيّزي للطفولة، فأنا أحاول هنا مخاطبة البالغين الراشدين.
اقرأ أيضاً: التربية والمُربي ناجي سعيد
فالمصطلح “راشد” ليس صفة، بل مرحلة عمريّة يمرّ بها الإنسان وهي تعكس وعياً لملمَهُ من خلال تجربة عاشها. فهل يجوز لنا التلاعب بإعداد هذه المرحلة؟ فالطفولة هي مَهدٌ لمرحلة الوعي والرشد، ويجب أن تنال إحتراماً وتقديراً، إن لم يكن لأجل الطفولة، فليكن لأجل الحرص على أن تكون مساحة تشكيل الوعي نظيفة. مساحة اللاوعي في دماغ الطفل تتأثّر بكل ما يحيط به من أفكار وسلوك وألفاظ. والراشد مسؤول عن إصدار هذه المادة بشكلٍ واعٍ إذا انتبه فعليا إلى النتائج المستقبلية التي يصنعها بسلوكه اللفظي وغير اللفظي مع الطفل.
ليس الطفل والراشد أحجار بيدق يحرّكها لاعب الشطرنج بما يناسب خطّته، فعند إرتكاب الطفل خطأ ما مع أحد أفراد العائلة، نسارع في لومه على الشكل التالي: ” كيف تتصرّف على هذا النحو؟ هل لا زلتَ صغيرًا؟ أنت كبير ومسؤول.” وحين يخرج خطأُه من دائرة العائلة، إلى الأقارب أو الجيران، نقول: ” بعده طفل صغير..”. وقد عانى “سليم” ابن أحد أصدقائي في صغره، من قيود السلوك الجدّي ضمن عائلة تحترف المزاح واللعب على الكلام. فلو مازحهُ عمّه “فاضل”، يواجه المزحة بالسؤال لوالده مصدر الثقة والأمان: “عنجد هيك بابا؟” ولا يطمئنّ قلبه إلاّ بجواب أبيه: “لا يا بابا عمّو عم يمزح”. المثال الذي طرحتهُ عن سليم، لا علاقة له بقصور في دماغه حين كان طفلاً. بل في خطأ تربوي قد يكون مُورس من قبل الطاقم التعليمي أو أحد أفراد العائلة. حيث حصل “الخلط” الذي أقصده في بداية المقال، يقصدون مزاحًا بلغة جديّة أو العكس. ولستُ أدعو إلى “نبذ” المُزاح والمرح، فأنا من المؤمنين بأن الفرح والحب هما جوهر الحياة، لكنّ هناك قاعدتان تحكمان “المزح” عندي:
– أن لا يُهين هذا المُزاح أحدًا، ولا يمسّ كرامة إنسان.
– أن لا أمزح عند الكلام بأمر جدّي، فيُفهم إستهزاءًا.
وما أتّبعه يدخل نطاق التربية اللاعنفية، فحين أمازح الأطفال في أي عمرٍ كانوا، أمازحهم بقصد المرح، مع الحفاظ بشدّة على قيمة الإحترام. فهذه القيمة لا تُعطى ضمن وصفة عُمرية. فالإحترام قيمة لا يمكن أن تستثني أي مخلوق.
اقرأ أيضاً: مواجهة المجتمع البيئة لا تفرض علي لباسي ناجي سعيد