غير مرغوب بها.. خطرة على استقرار زواج الإنجاب! – أيهم محمود
الثقافة الذكورية لا تقبل المساواة كذلك الأنثى التي تخاف الفشل المتوقع في أي اجتهاد وفي أي قرار
سناك سوري-أيهم محمود
تعيش مجتمعاتنا الشرقية عقدة الظلم، تشعر بالغبن دائماً، المؤامرات تحيط بها من كل الجهات، تحاصرها وتنهكها ولا تترك لها فرصةً تُذكر لتحقيق ذاتها وبناء حضاراتها، تتنوع مصطلحات تعبير مجتمعاتنا عن واقع مظلوميتها الدائمة، تختلف مكانياً وزمانياً فهي في تطورٍ دائم يفرضه واقع الملل من تكرار استخدام الشكوى ذاتها، “الكيل بمكيالين”، ربما كان هذا المصطلح السياسي المستخدم بكثرة في السنوات الأخيرة خير تعبير عن الإحساس العام بالغبن حتى في العلاقات الدولية، فهل نحن حقاً مجتمعات الكيل بمكيال واحد؟.
نحن خير من يعيش بعشرين مكيال لكل حالةٍ اجتماعية نواجهها في حياتنا، نقيس الأشياء بعواطفنا بدل عقولنا، نحكم عليها عبر الانتماء العاطفي للقبيلة والعشيرة والطائفة والقومية والجنس وأحياناً لون البشرة، لا نرى تعدد أحكامنا الداخلية والخارجية، لكننا نرى بوضوح ودقة تناقض أحكام الآخرين حتى في أبسط القضايا الشخصية التي لا يحق لنا التدخل بها مثل الحياة الشخصية للرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون”، فقد انتشرت مؤخراً في مواقع التواصل الاجتماعي صور متعددة له ولعقيلته وهي تمسك بيده مع تعليقات ساخرة تتشابه في مضمونها، صورٌ تُظهر الرئيس الفرنسي كولدٍ صغير تجره أمه وراءها لتقتص من الصبية الذين آذوا طفلها!.
ما زالت مجتمعاتنا ترفض بقسوة زواج الرجل من أنثى تكبره في السن مع قبولها شبه التام والمطلق للحالة العكسية، زواج الذكور من سيداتٍ تصغرهن كثيراً في العمر، وأحياناً زواجهم من طفلات، هو انتقادٌ حادٌ يعمل في اتجاهٍ واحد فقط، اتجاه الثقافة الذكورية السائدة التي تدافع عنها بقوة معظم النساء إلا عندما يختبرون ظلمها عليهن، عندها يُخرجن كامل طقم مكاييلهن الخاصة لانتقادها.
ترفض الثقافة الذكورية بعنفٍ حالة المساواة بين الجنسين في الوعي والإرادة والقدرة على اتخاذ القرارات، تختصر مجتمعاتنا صور علاقات الارتباط الثنائية بالرجل الحكيم والمرأة الطفلة المستسلمة بحبٍ وامتنان لهذه الحالة التي تعفيها على المستوى الشخصي والعام من تحمل الفشل المتوقع في أي اجتهاد وفي أي قرار، استمرار الثقافة الذكورية ونموها وتطورها وصيانتها نتيجةٌ منطقية لتعاضد واتفاق الطرفين على قبولهما بها، نسبة الاستثناءات مازالت للأسف صغيرة في مجتمعاتنا، لذلك نرى الأم تحطم تمرد صغيراتها وتُنمّي في الآن ذاته سطوة إخوتهم الذكور، هو فعلُ رضا ومشاركة تامة وواعية في صنع أسس هذه الثقافة، لكي أتجنب الفشل، وتحمل تبعات الفشل الطبيعي في أي اجتهاد وأي عمل، أبيع حقي في اتخاذ القرار وفي المساواة مع متخذيه، هذا جوهر ثنائية استبداد-خضوع المنتشرة بكثافة في كل مناحي حياتنا بدءاً من العلاقات الاجتماعية البسيطة حتى أعلى مراحل التنظيم البشري: الدول والكيانات.
اقرأ أيضاً: دعوة لمنع أدوات الرفاهية من قهوة وشاي ومتة – أيهم محمود
لا تقبل الثقافة الذكورية بالمساواة، فكيف لو توهم أحد أطرافها وجود حالة تفوق أنثى على ذكر، خبرة الأنثى ووعيها وحكمتها قضايا مرعبة لمعظم الرجال لكنها ساحرة بالنسبة للبعض الآخر -وأنا منهم-، ليس العمر وحده هو معيار الوعي بالتأكيد، فقد نجد أحيانا من هو أصغر منا لكنه أكثر خبرة وأعمق بصيرة، لكنه احتمالٌ كبير لتراكمٍ ثقافي مهم، وتراكمِ قدرةٍ، وأحياناً تراكم تمرد، الإناث بعيونٍ تتقد ذكاءاً وقوةً وإرادة، إناثٌ خطرات، غير مرغوبٍ بهن، لا من طرف المتسلط الذكر، ولا من طرف الخاضعات المستسلمات اللواتي يخشين فكرة اتخاذ القرار أكثر بكثير من ظلم المستبد، أنثى خطرة على استقرار العلاقة المقدسة اجتماعياً لزواج الإنجاب، حيث البلاهة -بلاهة الطرفين- هي المعيار الأسمى لنجاحها.
أي علاقة ارتباط بين طرفين في حال توفر الإرادة الحرة والرضا القبول بها هي أمر خاص بين اثنين لا يعرف أسرارها أحد، في حالة الرئيس الفرنسي هي زوجته بإعلان صريح تجاوز المحلي إلى العالمي، هذا الإعلان الواسع أكثر من كافي في منظومة قوانيننا ومنظوماتنا الدينية لكي لا يتدخل أفراد مجتمعنا في مضمون علاقتهما الشخصية، ومع ذلك ما زال تصرفه الشخصي والخاص به وبها يرعب الكثير من رجال العالم ونسائه، ماذا لو نشر الرجل هذه الثقافة؟ كم تعبنا في شرقنا من أجل أن ننسى حوادث مماثلة رغم قدسيتها العالية كي نُثبّت انتصار ثقافتنا الذكورية على تمرد بعض النص الديني عليها، وعلى تمرد تطور المجتمعات البشرية عليها، كيف يأتي الآن هذا الفرنسي ويزيل التراب عنها، يا لخوفنا، وجب علينا -إناثاً وذكوراً- مهمة الانتقام منه وإحداث أكبر تشويهٍ ممكن في صورة علاقتهما.
اقرأ أيضاً: نخب علمية لم تَرُدّ لمجتمعها تضحيته – أيهم محمود