زعران عالزاوية… مساحات الشباب في دمشق
مسؤولية الوحدات الإدارية عن المساحات المجانية للشباب
تضع “مايا دربي 25 عاماً” في حقيبتها ظرف نسكافيه وحافظ ماء ساخن وتبحث مع صديقاتها في دمشق عن مساحة للترفيه المجاني. ويمكن للشباب أن يمضوا فيها أوقات فراغهم المسروقة من زحمة الدراسة أو العمل وأعباء الحياة التي تفوق أعمارهم.
سناك سوري – هبة الكل
تقول “مايا دربي” لـ سناك سوري:«هي حقيبتي حاطة فيها ظرف النسكافيه، وجايبين معنا مي سخنة وفطاير وبسكوت وعم ندور على شي جنينة نقعد فيها بدون مشاكل.. عم نقنع حالنا أنو هاد ترفيه، لأن ما قدرتنا على شي تاني».
تعد المساحات العامة ووسائل الترفيه من الحقوق الأساسية للسكان ومن ضمنها الحدائق العامة المجانية، أدوات الترفيه واللعب ضمن هذه الحدائق. الخدمات العامة المجانية ضمنها، الملاعب والمنشآت الرياضية التي تتولى الدولة تأسيسها وصيانتها وتتيحها للعموم. والمنشآت الثقافية والمهرجانات المجانية، الأنشطة العامة التي تقدمها الإدارات المحلية لعموم السكان..إلخ.
وهو ما تفتقده “سالي فاكهاني” 24 عاماً من سكان دمشق. وتقول في حديثها لـ سناك سوري أن العاصمة السورية تفتقد لأماكن الترفيه المخدّمة التي تعطي زوارها طاقة “إيجابية“.
تختص المجالس المحلية في نطاق السياسة العامة للدولة بتسيير شؤون الإدارة المحلية فيها وجميع الأعمال التي تؤدي إلى تطوير المحافظة “اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً” بما يتماشى مع التنمية المستدامة والمتوازنة في مجالات عديدة كالخدمات والمرافق، الرياضة والشباب.
المادة 30 من قانون الإدارة المحلية 107
زعران واقفين عالزاوية… أين مساحات الشباب في دمشق؟
“شباب زعران واقفين عالزاوية، ليش مايروحوا ينضبوا”، هي جملة تُسمع في شوارع دمشق مئات المرات يومياً. وتطلق على معظم إن لم يكن كل تجمع لشبان وشابات يقفون على زاوية الحي أو الشارع أو عند أطراف الحديقة أو حتى بداخلها.
حديقة “الجاحظ” مثال، وهو توصيف يرد عليه “أنس قلاع” 18 عاماً:«وين بدنا نروح». ويضيف “أنس”:«بوقف أنا ورفقاتي هون ما منروح على كافيهات لأن ما في مصاري».
“أنس” يسكن في منطقة المهاجرين إلا أنه وأصدقاءه يفضلون “حديقة الجاحظ” على حيهم. ويعلل ذلك:«ما في بالمهاجرين أمكنة لنترفه فيها غير حديقة النيربين بآخر الخط، بعيدة والطلعة عليها صعبة».
يقع على عاتق الوحدات الإدارية توفير مساحات عامة مجانية تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع بمن فيهم الشباب على وجه التحديد. خبير الإدارة المحلية “بشار مبارك”.
صديق “أنس” الذي كان يقف معه على سور حديقة الجاحظ قال لـ سناك سوري إن “جيبته” ليست بخير. وأضاف:«بهرب من نق أهلي عليي وبجي لهون مندور على الأماكن يلي ببلاش أحياناً منروح عالمولات بس بقلعونا لما بشوفونا شباب لحالنا. ولما يكون معنا مصاري منلعب كونتر ومنقسم الساعة بيناتنا 4000 ليرة عالواحد».
الشوفينغ…. الترفيه بالنظر أو بالبيت
يتحول السوق إلى فضاء عام ترفيهي في ظل ندرة مساحات الشباب المجانية في دمشق أو سوء الخدمات فيها. “آية 23 عاماً” تقول لـ سناك سوري:«بالنسبة لي أختار “الشوفينغ” (بدل الشوبينغ) لتمضية بعض الوقت المخصص للتوفير المجاني في حياتي. فأذهب إلى شارع الحمرة والشعلان وأنظر إلى البضائع ومن ثم أعود أدراجي دون شراء شيء».بينما لا تجذب المراكز الثقافية “آية” لزيارتها بسبب عدم ملائمة أنشطتها لها وعدم مجانيتها أيضاً.
“سيدرة ديب” خريجة حقوق تقضي وقت فراغها مع صديقاتها في بالبيت. وتقول لـ سناك سوري:«كل مرة منروح لعند حدا. ما منتكلف كتير لأن كل حدا بيكون جايب شي معه متل المعسل، الفحم، الفواكه، الشيبسات ومن هالتسالي». وهذا الترفيه ليس مجاني فالاحتياجات مكلفة أيضاً.
لكن خيار المنزل كثيراً ما يكون محاطاً برقابة الأهل وعيونهم وتدخلهم في بعض تفاصيل ما يقلل من بعض المتعة فيه. ويضيق على مساحات الشباب.
للترفيه دور تنموي لأنه يعطي مساحة للشخص للتعرف على أنشطة وأماكن وأشخاص وحتى أوساط أوسع من وسطه الضيق العائلي خبير الإدارة المحلية بشار مبارك
الترفيه حسب الجيبة
القاسم المشترك بين جميع خيارات الترفيه لدى الشاب في دمشق هو “الجيبة” فبحسب ما يتوفر في جيوبهم من نقود يختارون ترفيههم. لكن معظمهم من ذوي الدخل المحدود ويفضلون الخيارات المجانية والتي تفتقر للتنوع.
تفتقد “دمشق” لملاعب كرة القدم المجانية التي يجب أن توفرها بلدية العاصمة (محافظة دمشق). “عبد الرحمن كتب” شاب عشريني يعمل حلاقاً يقول إن تكلفة مباراة من ساعة ونصف في ملعب بدمشق تتراوح بين 150 و300 ألف.
أما رحلات الطبيعة والمُسُر فهي تتراوح بحسب “نيبال أبو كرم 20 سنة” تتراوح بين 150 و400 ألف ليرة سورية حسب الجهة المنظمة. وهي تكلفة تفوق مصروف طالب جامعي لمدة شهر كامل.
كيف يمكن خلق مساحات الشباب المجانية؟
“علي ديب” خريج طب أسنان مؤخراً يقترح توفير أماكن ترفيهية مناسبة لدخل الشباب ومدعومة من الحكومة بحيث تكون تكاليفها رمزية. وأن تكون مخدمة باحتياجات الشباب من ألعاب رياضية وانترنت وترفيه ..إلخ. ويرى أن المنشآت العامة المملوكة للدولة يجب أن توفر هذه الخدمات. في حين أن هذه المنشآت غالباً ما تُمنح لمستثمرين بعقود لا تشترط أن تكون أسعارها مناسبة لذوي الدخل المحدود من الشباب.
بينما “بشار نور الدين” وهو أيضاً خريج طب أسنان حديثاً يدعو لتطوير المحتوى الذي تقدمه المراكز الثقافية باعتبارها مساحات عامة ثقافية. ويرى أن ما يقدَّم فيها لا يهم أبناء جيله ولا يستقطبهم كما أن معظم الأنشطة غير مجانية.
يقترح بعض الشباب ممن التقيناهم: توفير ملاعب رياضية مجانية في كل حي سكني. فتح أبواب المراكز الثقافية مجانا وتخديمها بأنشطة أكثر حيوية وقرباً من الشباب
مسؤولية الوحدات الإدارية عن المساحات المجانية
يقع على عاتق الوحدات الإدارية توفير مساحات عامة مجانية تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع بمن فيهم الشباب على وجه التحديد. بحسب خبير الإدارة المحلية “بشار مبارك” والذي يرى بأهمية توفير مساحات للشباب عامة ومجانية في مختلف الأحياء.
يضيف “مبارك” في حديثه لـ سناك سوري:«في النصف الأول من القرن الماضي كانت المقاهي والأندية الثقافية من أشكال الترفيه وكانت الوحدات الإدارية تعنى بها وتدعمها. لكن اليوم ومع التغير الكبير الواقع على ثقافتنا المحلية في سوريا ظهرت ثقافات جديدة لا بد أن تؤدي لتغيير نمط المساحات العامة التي تقدمها الإدارات المحلية».
“مبارك” قال إن سكان العاصمة دمشق يعانون بشكل واضح من قلة الأماكن والمساحات الترفيهية والاهتمام بها لممارسة الترفيه. والترفيه ليس ترفاً اجتماعياً وإنما حالة ضرورية. وتكمن أهميته عند الشباب أكثر لحساسيتهم للظروف الاقتصادية والسياسية التي يعانون منها، والأسئلة المستقبلية التي تراودهم. الأمر الذي يجعلنا نفسر أشكالاً كثيرة من الهروب من الواقع ويسمونها “ترفيهاً” كالترفيه السلبي من مخدرات أو اهتمام مبالغ بالمباريات، أما الترفيه الإيجابي فسيكون شكلاً من أشكال البناء المعرفي لدى الإنسان. وهنا يكمن دور الوحدات الإدارية ومؤسسات الحكم المحلي في توفير هذه المساحات العامة المجانية والإيجابية.
للترفيه دور تنموي لأنه يعطي مساحة للشخص للتعرف على أنشطة وأماكن وأشخاص وحتى أوساط أوسع من وسطه الضيق العائلي هذا على المستوى الفردي، وعلى المستوى الاجتماعي فهو يبدأ بطبع ثقافة في المجتمع، ثقافة عدوى إيجابية، وتصبح الناس أكثر اهتماماً بالفن والثقافة والأنشطة المختلفة التي تتضمن المسؤولية الاجتماعية. وهذا لا يحدث إذا لم تتوفر المساحات المجانية المدعومة بظل الظرف الاقتصادي الحالي والأنشطة المتنوعة والمجانية المدعومة.وفق “مبارك”.