الرئيسيةرأي وتحليل

دعوة لتدريس الشطرنج كمادة إلزامية بالمدارس – أيهم محمود

لعبة الشطرنج التي تعلٌم الأطفال منذ نعومة أظافرهم فن قنص الوزراء وفن إخضاع الملوك

سناك سوري-أيهم محمود

قد يبدو اقتراح تدريس الشطرنج كمادة أساسية إلزامية في المدارس العربية، طرحا غريباً بعض الشيء لكن أزيد عليه قبل الخوض في تفاصيل المقال: “بل يجب تحجيم الكثير من المواد النظرية لإفساح المجال لتدريس مادة الشطرنج حتى في المراحل الابتدائية”.

نشر موقع اليوم السابع وعدد من المواقع العربية مقالات شبه متواقتة عن تسريبات بريد هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ودعمها لإعلان فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد رغم علمها بحصول تزوير في الانتخابات، أُورد هنا فقرة صغيرة من مقال اليوم السابع الذي حمل عنواناً طويلاً: تسريبات كلينتون تفضح العلاقات السرية بين …، يختصر المقطع القصير التالي الفكرة التي سأبني على أساسها مقالي: “وتصف كلينتون في الرسالة المسربة أحمدي نجاد: بأنه الأصلح للنظام العالمي الجديد، رغم إقرارها في الرسالة نفسها أن من فاز في الانتخابات هو موسوي وليس نجاد”.

يكرر مقال اليوم السابع الآراء السياسية التقليدية حول وقوف الإدارة الأمريكية وراء مؤامرة الربيع العربي ووراء وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر لمدة قصيرة، تم طرح المقولات السياسية في نص المقال بطريقة مباشرة تقليدية تعكس ملامح نمطنا الشرقي الثابت في تحليل الوقائع والأحداث التي تجري حولنا لذلك بدأت عنوان مقالتنا بضرورة تحويل قواعد لعبة الشطرنج ومهاراته إلى مادة دراسية أساسية في كافة صفوف التعليم الأساسي والثانوي بل وحتى في سنوات التعليم الجامعي.

اقرأ أيضاً: القضاء على الشهامة – أيهم محمود

لست أهتم بالتأكيد بصحة موضوعة تزوير الانتخابات الإيرانية، أو بالآراء السياسية التي تفند وقائع نظرية المؤامرة سواء بالنسبة للربيع العربي أو بالنسبة لصعود الإخوان المسلمين في مصر، ما يهمني هنا هو الخروج من نطاق أسر نظرية المؤامرة المعطلة للعقل الجمعي إلى فضاء رؤية المصالح المتناقضة لتجمعات الجنس البشري، أحداث العالم لعبة شطرنج كبرى تتنافس فيها التجمعات البشرية للبقاء على قيد الحياة، لا شيء جديد في هذه الصورة، يتنوع سلوك حيوانات الأرض وكل أشكال الحياة فيها بين التنافس والتعاون والتعايش، لا أرى وجود أي شذوذ عن قواعد الحياة التي ألفناها في تنافس الدول والجماعات البشرية، الاستثناء يكمن في طقوس الندب والنواح وطرق إثبات وجود المؤامرات المعطلة لقدراتنا والتي تعفينا من مهام التفكير والعمل.

نعود إلى محتوى الجملة القصيرة الهامة للوزيرة كلينتون التي تقول فيها أن الرئيس نجاد أصلح للنظام العالمي الجديد، لماذا هو أصلح؟ ولماذا تفضل أمريكا شخصاً أكثر تشدداً في إيران يهاجمها باستمرار بدلاً عن شخصية محسوبة على التيار الإصلاحي، هل هناك مؤامرة مشتركة بين المتشددين وأمريكا؟ هل نقع في فخ هذا التصور المريح للبعض – نظرية المؤامرة- بدل التفكير في قواعد لعبة الشطرنج حين نضحي أحياناً بالجنود والقلاع بل وحتى بالوزير للظفر برأس الملك وإنهاء اللعبة لصالحنا وسط ذهول الخصم وتحول فرحه بالانتصارات المتلاحقة إلى خيبة وحيدة كبرى مع انتهاء اللعبة وخسارته المؤكدة.

هل رئيس إيراني يستطيع خفض التوترات في الخليج العربي وكبح جماح التيار الأصولي الإيراني مفيد لأمريكا حقاً؟ هل على شركات السلاح الترحيب بسلام يعم منطقة الخليج؟ هل على أمريكا التي ترتب للتطبيع العربي – الإسرائيلي أن تفرح لصعود شخصية تحقق سلام نسبي في منطقة مضطربة أم عليها تشجيع صعود تيارات سياسية تزيد من هذا الاضطراب لتدفع دول المنطقة نحو مسارات إجبارية أقلها سوءاً مرٌّ بل كارثي، ألم تدعم أمريكا أيضاً شخصيات عربية تعيق تطور أي تعاون بين دول المنطقة، ألم يتم دعم التيارات المتشددة في تركيا أيضاً.

اقرأ أيضاً: المنظومة العلمية وإغواء الشهرة_ أيهم محمود

حين نريد تشكيل الحديد علينا أن نبقيه ساخناً ليظل طرياً وقابلاً للطرق والتغيير، التشنج والتشدد في تعامل الدول مع مكوناتها السياسية الداخلية ومع العلاقات السياسية الخارجية جزءٌ مهم من آليات نجاح الخطة الأمريكية، ولكي أوضح الصورة التي أريد إظهارها هنا بدقة أشير إلى أن أمريكا لم تقم باختيار نجاد بل استغلت وقائع حركة شعوب المنطقة وحولت طاقتهم إلى قوة دافعة تضمن نجاح خطتها معتمدةً على عشق أهل الشرق لنظرية المؤامرة المريحة بدل بذل الجهد المطلوب لتعطيل مسار محاولات السيطرة على حركة مجتمعاتهم.

ما قامت به أمريكيا هو ما يقوم به بحاّر متمرس حين يجعل بين شراع سفينته وبين الرياح المواجهة له زاوية تمكنه من التغلب على أثرها السلبي وتحويلها إلى طاقة دافعة له، عبر تعليم الشطرنج في مدارس الشرق حتى لو كان هذا الأمر على حساب بعض مواد التاريخ وبعض مواد التربية الدينية والقومية نضمن بدء نشوء ثقافة مختلفة، نحتاج تعليم طلابنا تحليل حركات ونقلات الخصم وإدراك غاياتها المستقبلية لتفادي الوقوع في حالة ابتهاجٍ زائف أثناء انتزاع قلعة أو فيل واعتبارها غنيمة حرب قبل رؤية النقلات الخطرة التالية التي يسقط فيها الوزير أو الملك نتيجة عجزنا عن إدراك توجهات الخصم أو نتيجة استخفافنا بذكائه.

الندب صفة العاجزين ونحن نحتاج أجيالاً لا تقبل ثقافة النواح وثقافة الاكتفاء برد الفعل الغريزي، نحتاج كوادر تستطيع الانتقال إلى ثقافة التخطيط طويل الأمد، يجب تعزيز النزعات العقلية في المجتمع ليبتعد عن سيطرة العواطف والغرائز والرغبات ومشاعر الظلم والخيبة والقهر، يتم الرد على أي خطة تستهدف حياتنا بخطة أذكى منها، الرؤية العقلية المستقبلية لتوجهات الخصم شرط أساسي لتعطيل مشاريعه الضارة بنا وهذا ما تمنحنا إياه ممارسة لعبة الشطرنج التي تعلٌم الأطفال منذ نعومة أظافرهم فن قنص الوزراء وفن إخضاع الملوك.

اقرأ أيضاً: طروادة الأمريكية بوابة الرئيس ترامب – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى