الرئيسية

أنهر العراق تصب في دمشق “عاصمة المنفيين”

ربما دمشق تغني اليوم للبعيدين عنها “عودوا قبل ما الجفا يغمر ليالي العمر”

سناك سوري _ محمد العمر

“دمَشقُ عدتُ وقلبي كُلُهُ قُرَحٌ وأينَ كانَ غريبٌ غيرَ ذي قُرَحِ؟/ ضاعَ الطريقُ وكان الثلجُ يغمرني والروحُ مقفرةٌ والليلُ في رَشَحِ/هذي الحقيبةُ عادت وحدَها وطني ورحلةُ العمر عادت وحدَها قَدَحِي/أصابحُ الليلَ مصلوبا على أملٍ أن لا أموتَ غريبا مِيْتَةَ الشَبَحِ.” يقول مظفر النواب.
الشاعر العراقي الذي غادر العراق مطلع الستينيات بسبب ملاحقة النظام الحاكم له نظراً لميوله الشيوعية قصد العاصمة السورية أولاً و رغم تنقلاته بعدها في عواصم العالم كانت دمشق عودته الدائمة، كان مقعده في مقهى” الهافانا ” ينتظره.

كل شيء في دمشق كان يجتذب “النواب” للبقاء أو للعودة حتى أنها منحته الجنسية السورية أواخر العام 2006 تكريماً له و هو الضيف الذي يعطّر العاصمة بحزن عراقي قديم و غضب عربي لا يهدأ، الضيف الذي طوّعت دمشق جموحه الثوري و جعلته عاشقاً مولعاً بسرّ جمالها!

اقرأ أيضاً: التركة الثقيلة بين الكواكبي و سعدالله ونوس

المواقف السياسية أيضاً حملت الشاعر العراقي “محمد مهدي الجواهري” إلى دمشق ليسكنها كمنفىً اختياري بعد خروجه من العراق مطلع الثمانينيات لأسباب يعزوها البعض إلى وصول “صدام حسين” إلى السلطة و الذي سيعود لاحقاً و يصدر قراراً بإسقاط الجنسية العراقية عن “الجواهري” عام 1994، فاستقرّ الجواهري في دمشق أواخر الثمانينيات بعد أن كان يتنقل بينها و بين العاصمة التشيكية “براغ”، لكن الهوى الدمشقي سرقه لإمضاء سنواته الأخيرة في العاصمة السورية التي مال قلبه إليها و شعر أنه ابنها على وجه الحقيقة و قال فيها “إني شآميٌّ إذا نسب الهوى/و إذا نسبت لموطني فعراقي”.
و غادر من دمشق نحو السماء عام1997 و دفن في مقبرة الغرباء في السيدة زينب و كتب على قبره “دفن بعيداً عن دجلة الخير”.
ثالث شعراء العراق الذين أوقعتهم دمشق بفتنتها هو “عبد الوهاب البياتي” الذي غادر العراق باكراً و أسقطت عنه جنسيته منذ 1963 و تقاذفته المنافي بين إسبانيا و القاهرة و الولايات المتحدة إلى أن كانت دمشق المنتهى، فاستقرّ بها في سنواته الأخيرة منذ مطلع التسعينيات حتى رحيله في آب 1999 و دفنه حسب وصيته في مقبرة الشيخ الأكبر” محيي الدين بن عربي” قرب ضريح الشيخ المتصوف الذي أعجب “البياتي” بفلسفته.

اقرأ أيضاً: أحزاب سوريّة طردت وسجنت رموزها

بعد المنافي و المدن الملونة باللغات و الأعراق المختلفة جاءت دمشق كسرير أبدي للشاعر الذي أكل المنفى سنين عمره، “البياتي” الذي خاطب دمشق كعائد إلى حبيبة : عدتُ إلى دمشق بعد الموت…أحملُ قاسيون…أعيدهُ إليها…مقبلاً يديها…فهذه الأرضُ التي تحدّها السماءُ والصحراء …والبحر والسماء…طاردني أمواتها وأغلقوا علي باب القبر…وحاصروا دمشق.

دمشق التي احتضنت كل المنفيين والبعيدين على مدى عقود، هي الأولى اليوم باحتضان منفييها ومبعديها ومهجريها والمختلفين والمفترقين فيها، دمشق عاصمة كل العرب لابد أن تكون عاصمة كل السوريين، والبيت المفتوح الأبواب لجميع أبنائها.

اقرأ أيضاً: أحرق بيته لأجل الثورة و مات مفلساً!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى