الرئيسيةرأي وتحليل

العنف وانتهاك الخصوصية ضد الفنانات .. هبة نور مثالاً _ ناجي سعيد

استضعاف المرأة موروث ذكوري من المجتمع الجاهلي

تعكس الأمثال الشعبيّة بالعموم ثقافة شعبيّة، وبشكل عفوي دون التعمّق بصوابيّة المعاني والمقاصد وراءها. وما لفتني أنّ غالبيّة الناس، بعد أن تتناقل الأخبار الملفّقة غالبًا، تُنهي كلامها: «بلا ما نُنشر غسيلنا الوسخ».

سناك سوري _ ناجي سعيد

والمشكلة هنا، باختلاط المساحات، فخلط الأمور صار مُباحًا ومُتاحًا للجميع. وكم كان مُحقًّا الدكتور الذي درّسني “الفلسفة الحديثة” في الجامعة، حين كان يقول دائمًا: «طُولِت إيدو هالإنسان».

وليست وسائل التواصل الإجتماعي سوى مساحة عامّة. احترف روّادُها انتهاك الخصوصيّة. وما شاهدته في مقابلة مع احدى الفنانات، على شاشة التلفاز، يحاول المذيع “المُخضرم” أن يُحرج ضيفته “فنّانة غالبًا” بأن يعرض صُوراً لها خلال المُقابلة كانت قد عرضتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

و”السبق الصحفي” برأيه أنّ تُحرَج الفنّانة عند عرض صورٍ لها في ملابس السباحة مايّوه!! ولم يكن من الفنّانة سوى أن قالت بوضوح: «هذه حياتي الخاصّة، ولا دخلَ لأحدٍ فيها».

هبة نور مثالاً

إنّ قلّة الوعي لدى الناس بالتفريق بين “الخاص” و “العام” هو الأمر الذي أباح للّذين يعانون من نقص مُعيّن. من تفريغ مكنوناتهم بشكلٍ مريضٍ ومؤذٍ على الشخصيّات العامّة وتحديدًا الشخصيّات الفنّية. ومحاكاةً لنظرة المجتمع الذكوريّة، فالإساءة غالبًا ما تكون لامرأة. والمشكلة التي أخذت مساحة من التداول على “السوشال ميديا” هي صورة للفنانة “هبة نور” وهي خارجة من سهرة في بيروت.

لن أسمح لنفسي دخول النقاش من منظار ديني. فلكلّ شخصٍ مُعتَقَد خاص به، يُسيّر حياته بحسب معاييره. ولكنّي أستطيع خوض النقاش في الأمر من منظار تربوي وحقوقي.

فقد كَثُرت المشاكل، حين أساء الناس استخدام “وسائل التواصل الإجتماعي”. حيث كانت بداية فكرة الفايسبوك، من “مارك زوكيربرغ” بأن يتبادل الطلاب على مساحة عامّة، دروسًا. والدروس هنا في خانة الشأن العام. فالدرس يَسهُل فَهمه، إذا ما تشاركته العقول، وتبادلوا فهم موضوعه، وكما قال الإمام عليّ: «من شاورني شاركني عقلي».

ونرى النتيجة الحتميّة لعدم احترام خصوصيّة الطفل، تجعل الناس كبارًا وصغارًا تتعامل مع المساحة العامّة بشكل خاطئ. فما الفائدة المُكتسبة، من مشاهدة منشور على “الفايسبوك” مثلاً  يُسهب ناشره -غالبًا الأبّ-  في تفاصيلٍ، يتغنّى في المنشور بإنجابه لابنه أو ابنته، وذلك بعد حصوله/ها على شهادة جامعية عند التخرج.

احترام الخصوصية

إنّ احترام خصوصيّة الأبناء، يبدأ بالسؤال: هل لديهم غرفة خاصّة بهم، ويقضون وقتًا فيها منفردين؟ هذا الإجراء يعطي الفرصة للابن/ة للتمييز بين المساحة الخاصّة والمساحة العامّة.

وبالتالي من يشاهد صورة “خاصّة” لفنّانة على مساحة عامّة، يُدرك أن حاجتها وراء النشر، قد تكون التقدير مثلاً.. ولكن لا يعني فهمنا لحاجات الآخرين، أنّ الإساءة لهم  مسموحة.فالمشكلة ليست بالأشخاص، بل بكيفيّة تعاملهم مع تلك المساحات العامّة.

الدين والأخلاق لا يُجيزان لأي أحد أن يلاحق الآخرين، مُعتبرًا نفسه وصيًّا عليهم. وبالنسبة للاستضعاف الدائم للمرأة، فمصدره  الموروث “الجاهلي” الذي احتفظ المجتمع بذكورّيته ناجي سعيد

 

إن إمكانيّات البعض تخوّلهم باستخدام مهاراتهم التقنية لتركيب وتلفيق صور “مفبركة” للإساءة. والمشكلة الأعمق، إلباس أساءاتهم ملابس الأخلاق. وهذا من الآثار السلبية لخلط الخاصّ بالعام. فالدين مساحة خاصّة، وكذلك الأخلاق، لكنّ استخدامهما الفردي من المفترض أن يعود بالنفع على المساحة العامّة.

بمعني أنّ الدين والأخلاق لا يُجيزان لأي أحد أن يلاحق الآخرين، مُعتبرًا نفسه وصيًّا عليهم. وبالنسبة للاستضعاف الدائم للمرأة، فمصدره  الموروث “الجاهلي” الذي احتفظ المجتمع بذكورّيته. حيث اُختصر دعم الإسلام للمرأة بوقف عادة “وأد البنات”، فأصبح الوأد في رمال المجتمع الفضائحيّة.

ولم يلتفت المجتمع إلى دخول المرأة مضمار الحياة المهنيّة/الاجتماعيّة/ السياسيّة/ الإقتصادية. من الباب الواسع. في القرن الواحد والعشرين ونجد في بعض المجتمعات من يعتبر أن المرأة عورة. لكن هذه “العورة” صعدت الفضاء. والبعض مشغول البال فيما لو ظهرت مفاتن المرأة “الفنّانة” على متن وسائل التواصل الاجتماعي.  أخيرًا فمن المعروف بأنّ: «العصفور الذي وُلد داخل القفص يعتبر الطيران جريمة»

زر الذهاب إلى الأعلى