الرئيسيةتقاريريوميات مواطن

الزلزال يشعل بورصة الإيجارات في المناطق المتضررة .. زيادة بمئات الألوف

تضاعف الطلب على الطوابق السفلية وأسعار خيالية لإيجارات المناطق غير المتضررة

«مصائب قوم عند قوم فوائد» يصحّ هذا القول في حالة النكبة السورية جراء الزلزال الذي ضرب البلاد، وأدى لخسارة آلاف العائلات لمنازلهم مقابل ارتفاع أسهم أصحاب العقارات المعروضة للإيجار.

سناك سوري _ محمد العمر

في تلك اللحظة الجنونية فجر السادس من شباط، ظنَّ الخارجون من منازلهم المتصدعة والمدمّرة أنهم نجوا من الكارثة، لمجرد أنهم بقوا على قيد الحياة ولم يلقوا مصير أولئك الذين قضوا تحت أنقاض منازلهم التي كانوا يرون فيها ستراً ومأوى يحميهم.

لكنهم فوجئوا بكارثة أخرى، تتجسّد بأنهم لن يجدوا بديلاً عن ذاك البيت المتصدّع أو المدمّر بفعل الزلزال، فرحلة البحث عن منزل للإيجار ستحمل لهم الكثير من المفاجآت المأساوية.

رحلة البحث تلك لم تبدأ بعد الزلزال، بل كانت سابقةً عليه بعد أن أكلت الحرب آلاف المنازل في مخنلف المحافظات، الأمر الذي جعل من امتلاك عقار معروض للإيجار ممراً لانتهاز فرصة استغلال محتاجيه لدى كثير من الملّاك، ورفع بحكم مبدأ العرض والطلب من أسعار الإيجارات.

كارثة الزلزال زادت الطين بلّة بعد أن خسر المزيد من السكّان منازلهم وراحوا يبحثون عن بديل يستأجرونه، ما دعا كثر من أصحاب المنازل لرفع سعر إيجارها إثر تهافت الطلبات عليهم.

تحوّلات أسعار الإيجار في اللاذقية بعد الزلزال

ففي مدينة “اللاذقية” التي ضربها الزلزال، تظهر نتائج البحث الذي أجراه سناك سوري على مجموعات بيع وإيجار العقارات عبر فايسبوك، أن شقة مفروشة مؤلفة من غرفتين وصالون في حي المشروع السابع عرضت في أيلول 2022 بمبلغ 500 ألف ليرة، في حين بلغ عرض شقة مفروشة من غرفة واحدة وصالون في الحي ذاته بعد الزلزال 600 ألف ليرة.

باتباع النمط ذاته في عملية البحث فإن شقة من غرفتين وصالون في الطابق الثاني بحي “الزقزقانية” في “اللاذقية” عرضت للإيجار في كانون الثاني 2022 بـ 250 ألف ليرة، مقابل عرض شقة بنفس المواصفات وفي الحي ذاته ولكن في الطابق الثالث في شباط 2023 أي بعد الزلزال بمبلغ 350 ألف ليرة.

أما في مناطق أخرى مثل حي “الزراعة” في “اللاذقية” فإن سعر الإيجار الشهري لا يقل عن 500 ألف ليرة سواءً قبل الزلزال أو بعده لكن الاختلاف يكمن في مواصفات المنزل وتجهيزه وعدد غرفه وموقعه في الحي.

اقرأ أيضاً:سوريون يبيتون ليلتهم في الخارج والشائعات تعصف بالناس
أسهم الإيجارات ترتبط بنسب التأثر بالزلزال

وفي تجربة حية، تتحدث “مرام” لـ سناك سوري عن تجربة عائلتها مع الإيجارات، حيث كانت تسكن في منزل مستأجر بحي “المشروع السابع” يقع في الطابق الخامس ويتألف من غرفتين وصالون وبدون أثاث، وكان إيجاره 150 ألف ليرة، وللمصادفة فإن صاحبة العقار أبلغت الأسرة برفع السعر إلى 225 ألفاً يوم الخامس من شباط قبل وقوع الكارثة، بينما أدى الزلزال إلى تصدع في البناء تضاعف لاحقاً بعد الهزة التي وقعت في 20 شباط وأصبح من الضروري ترميم البناء بحسب تقرير لجنة السلامة، إلا أن صاحبة المنزل وبعد ترك أسرة “مرام” للمنزل عرضته للإيجار بما لا يقل عن 500 ألف ليرة باعتبار أن الحي لم يشهد على دمار بناء كامل ما زاد الطلب على منازله.

هذه الأسرة عانت على مدى أكثر من شهر من البحث عن منزل للإيجار قابل للسكن بحسب رواية “مرام” التي قالت أن المنازل التي كانت معروضة وبأسعار مرتفعة غير قابلة للسكن قبل إعادة تجهيزها إذ تحتاج الكثير من العمل، والشقة التي كانت تعرض بـ 250 أو 300 ألف قبل الزلزال وصل إيجارها إلى 400 ألف.

سكان المشروع العاشر لجأوا للأحياء التي لم تتضرر من الزلزال ما رفع أسعار الإيجارات

 

وتابعت “مرام” أن منطقة “المشروع العاشر” التي تضررت بشكل واسع من الزلزال، لجأ سكانها للأحياء التي لم تتكبد الكثير من الأضرار مثل “الزراعة” و”المشروع السابع” و”الأوقاف” ما زاد من سعر الإيجارات بحكم زيادة الطلب عليها، فيما تراجع الطلب بشدّة على المنازل الواقعة في الطوابق العليا ما جعل سعر إيجارها ينخفض حتى لو كانت بمناطق راقية، مقابل ارتفاع ملحوظ في إيجار المنازل ذات الطوابق الأرضية والأولى حيث وصل إيجار بعضها إلى مليون ونصف المليون رغم أنها لا تزيد في بعض الأحيان عن غرفة وصالون فقط، وكان إيجارها قبل الكارثة لا يتجاوز 500 ألف ليرة.

بعد عناء أكثر من شهر، نجحت عائلة “مرام” في إيجاد منزل يقع في حي “الزراعة” ويتألف من 3 غرف وصالون في الطابق الأرضي بمبلغ 700 ألف ليرة شهرياً وهو رقم مضاعف تقريباً عمّا كان عليه الحال قبل الكارثة للمنزل نفسه.

إيجارات حلب بعد الزلزال

الحال في “حلب” لا يختلف كثيراً، لكن الاختلاف الرئيسي عن “اللاذقية” أن معظم عروض الإيجار في المدينة تشترط الدفع السنوي وليس الشهري، وفي حي مثل “الحمدانية” الذي لم يتضرر من الزلزال، تم عرض منزل من 5 غرف في الطابق الأرضي قبل الزلزال بـ 4 مليون سنوياً أي نحو 333 ألف شهرياً، مقابل منزل من 5 غرف في الطابق الثاني بـ 5 مليون سنوياً ما يساوي 416 شهرياً بعد الزلزال، ما يظهر ارتفاعاً ملحوظاً في السعر مع فارق المواصفات.

أما في الأحياء المصنفة “شعبية” مثل حي “صلاح الدين” الذي تضرّر بفعل الحرب سابقاً وبفعل الزلزال لاحقاً، فإن المنزل الذي كان إيجاره عند حدود الـ 90 ألف ليرة العام الماضي، وصل بعد الزلزال إلى 150 ألف ليرة، بغض النظر عن الوضع الإنشائي الراهن للمبنى الذي يقع فيه المنزل.

اقرأ أيضاً:محافظ حلب: انهيار 54 مبنى وتضرّر أكثر من 13 ألف أسرة بسبب الزلزال

وفي حي مثل “بستان الزهرة” الذي شهد دماراً لمبانٍ كاملة جراء الزلزال، فقد وصل إيجار منزل في الطابق الثالث حتى بعد الزلزال إلى 250 ألف ليرة، إلا أن السعر سيبدو زهيداً مقارنة بأسعار إيجارات مناطق أخرى مصنفة أنها أكثر “رقياً” مثل شارع “الفيلات” الذي عرض فيه منزل من 5 غرف وصالون في الطابق الأرضي بـ 16 مليون سنوياً أي 1.3 مليون شهرياً، ومنزل من 5 غرف في حي “جمعية الزهراء”، بـ 25 مليون ليرة لعامين، أي مليون و40 ألف ليرة شهرياً، مع الإشارة إلى أن هذه الأسعار جاءت بعد الزلزال.

يروي “عادل” تجربته لـ سناك سوري في البحث عن سكن بديل للإيجار في “حلب”، فبعد أن خرج من منزله المستأجر في حي “صلاح الدين” بعد الزلزال لأنه يقع في الطابق الرابع وتعرّض للتصدع ما دفعه لمغادرته على الفور مع زوجته وولديه، بدأ البحث عن منزل للإيجار بسعر يناسب دخله المحدود كموظّف حكومي وسائق سيارة أجرة بعد الدوام.

عائلة في حلب عاشت أسبوعاً في السيارة ريثما وجدت منزلاً للإيجار بعد الزلزال

 

يقول “عادل” أنه أمضى مع أسرته قرابة أسبوع ينامون داخل السيارة، قبل أن يلجأوا إلى منزل أحد أقاربهم ريثما يجدون بيتاً للإيجار، إلى أن عثر على منزل في منطقة “الحمدانية” والتي تضاعفت أسعار إيجارات المنازل فيها، نظراً لأنها لم تتضرر من الزلزال والحديث عن متانة أبنيتها التي شيّدتها مؤسسة “الإسكان العسكري”، ومقاومتها للزلازل مقارنةً بأحياء أخرى كان الزلزال اختباراً قاسياً لمعايير إنشائها.

تكلّلت رحلة “عادل” في البحث عن منزل للإيجار بالعثور على منزل للإيجار في منطقة “الحمدانية” مؤلف من 3 غرف وصالون في الطابق الأول، بمبلغ 4 ملايين سنوياً أي ما يعادل 333 ألف ليرة شهرياً، إضافة لدفع إيجار شهر كتأمين ومثله عمولة للمكتب العقاري.

في نهاية المطاف، تظهر الصورة العامة للوضع القائم في “اللاذقية” و”حلب” تحديداً، أن أسعار الإيجارات ارتبطت بشكل واضح لا لبس فيه بالزلزال، فارتفعت في الأحياء التي لم تتأثر يالكارثة أو تأثرت بشكل طفيف، وانخفضت في المناطق التي شهدت دماراً أو أضراراً كبيرة، وتضاعف الطلب على الطوابق السفلية تحديداً الأرضي والأول، بينما تراجع الطلب على الطوابق العليا، الأمر الذي أثّر على تسعيرة الإيجار حكماً.

وتجدر الإشارة إلى أن وجود كثيرين من أصحاب العقارات انتهزوا فرصة الزلزال لمضاعفة أسعار إيجارات منازلهم، فإن هناك كثيرون أيضاً لم يستغلوا حاجة الناس لاستئجار منازلهم وأبقوا السعر على ما كان عليه، وفي بعض الحالات تبرعوا بآجار شهر أو أكثر ضمن حالة الفزعة التي عاشتها البلاد بعد الكارثة لنجدة المنكوبين الذي غادروا منازلهم قسراً على وقع المأساة.

ولا بد من التذكير بعد هذه اللمحة عن أسعار إيجارات المنازل أن متوسط راتب الموظف الحكومي في “سوريا” لا يتجاوز 120 ألف ليرة، أي أن إيجار منزل بـ 250 ألف يعادل أكثر من راتب شهرين بالنسبة له، عدا عن بقية مصاريفه وأسرته شهرياً.

اقرأ أيضاً:بعد الزلزال.. أبحث عن منزل للإيجار ولا أجد

زر الذهاب إلى الأعلى