الرئيسيةشباب ومجتمع

الخلية الأولى للمجتمع السوري مريضة.. صدعتها الحرب وهشمت بنيتها

باحث أسري: غياب الاستقرار السكني والاقتصادي يساهم في تهتك الأسرة السورية

سناك سوري – بلال سليطين 

تعرضت الأسرة السورية لخضات عديدة خلال الحرب المندلعة في البلاد منذ العام 2011، مما أدى لحدوث تصدعات في بنيتها وتغيرات في شكلها وقواعدها وعلاقاتها الداخلية.

عوامل عديدة خلال الحرب كانت مؤثرة في واقع الأسرة السورية، مثل التهجير القسري أو تغيير مكان السكن، فقدان أحد الأفراد، تشتت الشمل، وانقسام أفرادها سياسياً، سفر بعضهم، فقدان المعيل/ة، الظروف الاقتصادية والعوامل النفسية ووإلخ.
يقول الباحث في شؤون الأسرة “أنس حبيب” لـ سناك سوري إن المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والصحة النفسية اليوم تعكس واقعاً سيئاً للأسرة السورية التي أصبحت اليوم “متهتكة” ومشتتة” تحتاج تدخلاً إسعافياً ينقذها وينقذ المجتمع من خلالها على اعتبار أنها الخلية الأولى في المجتمع السوري.

مؤثرات سلبية محيطة بالأسرة السورية

طول فترة الحرب جعلتنا نشعر أحياناً أن الظروف التي ولدتها طبيعية، وبالتالي لا ننتبه للمخاطر الناجمة عنها والتي تحيط بالأسرة عموماً وأفرادها بشكل خاص، حيث يحيط اليوم بالأسرة السورية عوامل سلبية عديدة مثل بيئة العنف، ثقافة السلاح، الضيق الاقتصادي، ضعف سلطة القانون، التباعد بين أفرادها لأسباب عديدة الهجرة، الخدمة الالزامية، العمل، التوقيف…. إلخ، وهذه كلها عوامل تترك أثارها وتحدث أزمات نفسية، يقول الباحث “حبيب” على سبيل المثال ارتفاع نسبة الطلاق في سوريا لايمكن النظر لأسبابه الظاهرية فقط لأن أسبابه العميقة هي الظروف السلبية المحيطة بالأسرة.

انتفاء الخصوصية الأسرية

تعجز مئات، وآلاف الأسر السورية اليوم عن الحفاظ على خصوصيتها ووضع قواعدها الخاصة، ونظامها التربوي، وحتى الإشراف المستقل على الأبناء وضمان نموهم في بيئة منظمة بشكل جيد، ينطبق هذا الأمر بشكل أساسي على الأماكن التي تعيش فيها أكثر من أسرة، مثل المخيمات، مراكز الإيواء، أو المنازل التي تجتمع فيها عائلتين أو ثلاثة كما هو الحال في مناطق متعددة من دمشق وحلب واللاذقية وحمص ..إلخ، وبحسب “حبيب” فإن وجود أكثر من أسرة في مساحة سكنية واحدة (بيت، غرفة، خيمة)، يخلق الكثير من المشكلات والمشاحنات بسبب عدم التكيف، وتداخل الصلاحيات بين الأفراد، فمثلاً الأم تريد أن تعلم ابنها قواعد منزلية معينة، تأتي زوجة شقيق زوجها لتعلمه قواعد أخرى، فتحدث مشاحنات بين الطرفين، ويحتار الابن/ة في القواعد ما يؤدي لحدوث انتكاسات سلبية لها أبعاد مستقبلية على صعيد تماسك الأسرة.
وهذه المشكلة تعود بشكل رئيسي للعامل الاقتصادي، فهم غير قادرين على تأمين مسكن مستقل وفيه خصوصية كاملة.

اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للأسرة.. عائلات سورية كسرتهم الحرب وقلبت حياتهم

الاستقرار السكني يساهم في الاستقرار الأسري

يلعب الاستقرار السكني لأي أسرة على الإطلاق سواء في زمن الحرب أو السلم دوراً أساسياً في استقرارها الاجتماعي والداخلي، ويضرب الباحث “حبيب” مثلاً قبل الأزمة السورية، أي أسرة تقوم بالانتقال من سكن إلى آخر دون تحضير الآبناء وموافقتهم والتفكير بهم وبظروفهم كانت تعاني من مشكلات لدى أبنائها في التكيف والتراجع الدراسي لأنهم لم يكونوا مهيئين أو لم يشاركوا في هذا القرار، وبالتالي يحتاجون وقتاً وجهداً وتعاملاً خاصاً لكي يستعيدوا عافيتهم، فما بالكم بالذين تهجروا قسرياً، هناك عشرات آلاف الأسر التي هجرت من مناطق ساخنة معظم أهاليها انتقلوا إلى محافظات أو دول أخرى، وهذا التنقل المفاجئ والظروف المرافقة له أدوا إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي على سبيل المثال، الانسجام مع المحيط، تغيير في العادات، فرض ظروف معيشية غير معتادين عليها وأحياناً قوانين…إلخ.

الباحث أنس حبيب أثناء عمله التدريبي

انعكاس الخلل الاسري على نهوض المجتمع

اختارت شريحة الشباب أو المعيل لدى الكثير من الأسر السفر والهجرة، ونكاد اليوم لا نجد عائلة سورية لم يسافر أحد أفرادها إلى الخارج، وهذا أحدث خللاً في بنية الأسرة، وضعف الروابط في داخلها بين الأفراد، إضافة إلى تأزم الحالة الصحية لكبار السن الذين بقوا في سوريا وغادر أبنائهم للخارج فأصبحوا اليوم ينتظرون المساعدات من المحيط، وفقدوا تعاون الأسرة واحتضان الأبناء لهم كما فقد الأبناء قدرتهم على تأدية واجباتهم بسبب التباعد الجغرافي، واقتصر دورهم على الدعم المالي وأحياناً لا دعم.

غياب الأبناء عن أداء دور تجاه آبائهم، بشكله الحالي يؤدي لغيابهم عن أداء دورهم تجاه مجتمعهم حيث يرى “حبيب” أن البلاد تعاني اليومي من انخفاض حاد في نسب الشباب المنتج من الجنسين وإن كانت نسبة الذكور أكبر، خاصة الشهادات والكفاءات العلمية والمهنية، وهذا أثاره كارثية على نهوض المجتمع والدولة.

اقرأ أيضاً: القش: الأسرة السورية استنفذت طاقاتها ولم تعد تنفعها استراتيجيات التأقلم

الأزمات النفسية الفردية تنعكس على الأسرة

إن أي صدمة أو معاناة نفسية يعاني منها أي فرد من الأسرة فإنه سيعكسها على باقي الأفراد في ظل غياب إمكانية العلاج والقدرة عليه أو حتى الاعتراف بأهمية الجانب النفسي، يضرب “حبيب” مثالاً أب يعجز كل يوم عن تأمين احتياجات أبنائه المدرسية مثلاً وبالتالي فإنه سيعاني من ضغوط نفسية ربما تؤدي به هذه الضغوط لكي يشرد فينسى التوقف على حاجز ومن ثم يوقفوه ويسمعوه كلمتين ويتابع طريقه إلى المنزل غاضباً، أين سيفرغ غضبه!! للأسف غالباً سيفرغه في أبنائه وبالتالي سننتقل من مشكلة تأمين المستلزمات إلى مشكلة العنف إلى الضغط والقهر الأسري ..إلخ.

في مشهد آخر، أم اختفى ابنها في ظروف الحرب، وهو ميت لكنها لم تستلم جثمانه، وتعيش حالة إنكار لوفاته، كيف سيكون واقعها داخل الأسرة التي لا تستطيع حتى أن تعرضها على الطبيب أو لا تحسن الدعم النفسي لها، تخيلوا واقع الأسرة.

الأمر ينسحب على ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الحرب والتي تقدر الأمم المتحدة أعدادهم وفق إحصائية عام 2018 بـ مليون إنسان في سوريا، ما يجعل حسب “حبيب” من إيلاء الجانب النفسي أهمية كبيرة على صعيد الاعتراف به وعلى صعيد تأمين الكوادر الطبية وكوادر الدعم النفسي.

ماذا يمكن أن نفعل لحماية الأسرة وترميمها؟

خلال التفكير بحلول للمشكلة أو ما يجب أن نفعله، فإنه من الضروري التذكير وفق “حبيب” بأن العوامل الاجتماعية والسياسية تؤثر بشكل أساسي في الأسرة السورية التي باتت تحتاج توفير البيئة المستقرة من خلال عودة الأهالي الى قراهم ومدنهم الأصلية وهذا يؤدي الى إعادة النسيج الاجتماعي الى شكله الطبيعي، حتى ولو كانت بيوتهم فيها نوع من الخلل (دمار جزئي) لكنهم سيشعرون بالاستقرار فيها.
إصدار مجموعة من القرارات الداعمة للأسرة وتكوينها وتوفير الدعم الاقتصادي اللازم لها، إحداث مراكز أسرية ضمن الأحياء والوحدات السكنية عى طول وعرض البلاد تقدم الخدمات الاجتماعية والنفسية والخاصة بالمرأة والقانون..إلخ، توفير مجموعة من المشاريع الصغيرة المدرّة للدخل والمنشطة للاقتصاد في آن معاً.

توفير البيئة الداعمة والقوانين الجاذبة للشباب الذين هاجروا خلال الأزمة، والتي تحول دون اضطرار الباقين للسفر إلى الخارج وبالتالي تخسره البلد.
تفكيك بنية العنف وخطابه ومواجهة هذه الثقافة التي تنعكس عنفاً داخل الأسرة الواحدة، وتلحق الأذى بالطفل والمرأة، بالمُعنَف والمُعنِف.
وهناك العديد من الإجراءات التي يجب اتخاذها بناء على الدراسات والأبحاث التي تم إجراؤها أو التي يجب القيام بها لتكون الخطوات مدروسة ويتم وضع رؤية استراتيجية بشكل تشاركي بين كل الجهات المعنية حكومة، مجتمع مدني،.. الخ من أجل إدارة الوجع والعلاج من ناحية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى للأسرة السورية.

اقرأ أيضاً: دراسة: تكاليف معيشة الأسرة في سوريا 430 ألف ليرة شهرياً

مجتمع سوري مقبل على الحياة

كل المؤشرات قبل الحرب وخلالها تشير أن المجتمع السوري مقبل على الحياة ويعرف كيف يعيش ضمن إمكانياتها ويكون سعيداً، وعلى سبيل المثال في دمشق ومحيطها كان التعامل مع يوم الجمعة قبل 2011 على أنه يوم مقدس للسيران والنزهة، الغني يذهب للمطعم، والفقير يذهب إلى منتزه أو بستان، الغني بياخد لحمة، والفقير بياخد فول مقلى، لكن الإثنان (مبسوطين ويستمتعون بالحياة)، المجتمع السوري منتج يحب الحياة وطموح ولديه روح المبادرة، لكن لكي يكون مجتمعاً سليماً يجب أن تكون الأسرة منيعة ومحمية وتُساعد على معالجة الارتكاسات والارهاصات التي تعرضت لها بسبب الازمة، وإن لم يتم بدء العلاج من الأسرة فإن هذه الأسرة ستكون عبئاً اقتصادياً على الدولة المنهكة اقتصادياً أيضاً.
في المحصلة إن الطريق لاستقرار المحتمع ونهوضه هو استقرار الأسرة ونهوضها وسلامتها وعافيتها، ومن حق الفرد في سوريا أن يتمتع باكتفائه الاقتصادي وبالكرامة وجودة الحياة.

اقرأ أيضاً: مدير شؤون الأسرة: نعمل على حماية النساء المُعنفات والمُبِلغين عن التعنيف

يذكر أن يوم الأسرة العالمي يصادف 15 أيار من كل عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى