التنمية العميقة.. مسائل أولية – مازن بلال
دمشق… ملامح منهكة من “التجارب” التي تبعثر الخبرات
سناك سوري – مازن بلال
تترك “دمشق” صوراً لا تختلف كثيرا عن بقية المدن السورية، فهي ملامح منهكة من “التجارب” التي تبعثر الخبرات، وتجعل من التفكير ببقايا المساحات المأهولة ترفاً يمكن تجاوزه بسهولة نحو لوحة أكملتها الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، فالجغرافية السورية تتآلف بشكل سريع مع أي استجابة تريحها من التجريب والسعي للتعامل مع التقنيات التنموية أو السياسية أو الاجتماعية.
وسط هذا التعب فإن إشارات الاستفهام التي يقدمها المستقبل تبدو بقسوة الحرب، وبحجم التناقض الذي غير آليات العلاقات الاجتماعية، فكم التناقضات يصعب جمعها في “خطاب” كان في الماضي يشكل العصب الاجتماعي، والمصالح الاجتماعية المتهالكة باتت تبحث عن ألوان جديدة لا يألفها العقل لأنها ولدت خارج الزمان الذي اعتاد المجتمع أن ينجرف معه، فالحل السياسي الذي ثبّت عبر اللجنة الدستورية ثلاث كتل أساسية سيحكم في النهاية آليات فهم المستقبل، وسيفرض القفز فوق تاريخ من المنظومات الفكرية التي أرادت إحداث تغيير اجتماعي عميق، والدخول باتجاه التغير المرن الذي تشكله علاقات قائمة على شبكات اجتماعية محلية وتنمية تضمن التوازن، وعلاقات خارج نمط الأحزاب أو ما يطلق عليه “المجتمع المدني”.
التكوينات الجديدة التي يمكن أن تظهر في مرحلة ما بعد اللجنة الدستورية ستشكل “الجيل الثاني” من عملية التحول الاجتماعي، فهي ليست بدائل عن الأنماط الاقتصادية – الاجتماعية التي كانت سائدة، كالأحزاب على سبيل المثال، لأنها قائمة على خلق “عمليات” توجد تداعيات جديدة باستمرار، فالمسألة هنا ليست تعددية سياسية كما هو مألوف في أدبيات السياسة إنما تعدد في “العمليات” التي يمكن تطبيقها داخل المجتمع وعلى المستوى السياسي العام، وهو أمر ليس مجرداً كما يوحي به مصطلح “العملية”، بل ساحات عمل يمكن أن تترافق مع إعادة الإعمار لتطرح تنمية على مستوى اجتماعي مختلف، بحيث تزول تناقضات الحرب بشكل تدريجي، أو هذا ما تأمل به المنظمات الدولية على أقل تقدير.
اقرأ أيضاً: الهوس بالمجتمع المحلي – مازن بلال
هي مغامرة تريد تجاوز مفهوم الكتلة السياسية التي تختفي خلال الأزمات والحروب، وتضع “شبكة سائلة” تستوعب تناقضات الخروج من الحرب، وهذا الأمر يبدأ من فهم دولي لسوريا أكثر من كونه قراءة لمعطيات واضحة لطبيعة العلاقات خلال الأزمة التي لا تختلف كثيراً عما كان سائداً قبل عام 2011، فالحل الدولي لا يستطيع تلمس إنهاك المجتمعات والمدن لأنه قادر على نمذجة كافة الظواهر، وهو أيضا مراقب يهتم بتسلسل “العملية” التي تسير سواء كانت سياسية أو تنموية، بينما سيواجه المجتمع اختباراً على صعيد غير مسبوق، فهو سينتقل من الكتل السياسية إلى شبكات التنمية، ومن الدولة المركزية المتضخمة إلى المؤسسات الحكومية “المشرفة”!!
هل يمكن لهذا التحول أن يمر بشكل سلس؟ إن هذا السؤال في ظل “شبكة التنمية” لا معنى له لأنها ستخلق عملية تحول مستمرة، وتفترض ضمنا جولات اضطراب تنعش هذا “الشبكة” وتدفعها لمساحات جديدة، فالتنمية العميقة هي ليست بديلا للخيارات السابقة، وهي لن تحل التناقضات الأساسية في سورية، إنما ستوجد توازناً ربما على المجتمع السوري أن يوجد خياراته داخله، أو حتى التعامل لبناء تصوراته القادمة.
اقرأ أيضاً: التنمية المحلية.. مقاربات أم إشكاليات – مازن بلال