كبار السن في سوريا.. الموت وحيداً في مجتمع الجيران والألفة!
كبار سن يموتون لوحدهم ولا تُكتشف جثثهم إلا بعد أيام.. كيف نحمي آباءنا وأمهاتنا؟
قبل أيام، أعلن فرع الدفاع المدني في اللاذقية، عن اكتشاف جثة لامرأة ستينية متوفاة في منزلها بمنطقة “القرداحة”. قد يبدو الخبر عادياً، لكن اللافت فيه أنه تم العثور على الجثة بعد أسبوع من الوفاة. أي أن غياب شخص لمدة أسبوع دون أن يُسأل عنه في مجتمع يوصف بأنه اجتماعي للغاية بات أمراً عادياً.
سناك سوري-رحاب تامر
العميد “جلال داؤود” مدير الدفاع المدني، قال بتصريحات نقلتها صحفية الوحدة، إن الوفاة كانت طبيعية دون أن يحدد سببها. ومع ذلك تبرز العديد من التساؤلات، حول وجود أقارب للمتوفاة أين همّ ولماذا لم ينتبه أحد لغيابها؟ كذلك كيف توفيت؟ هل تعرضت لأزمة قلبية ولم تجد أحداً يسعفها؟
وخلال سنوات الحرب هاجر الكثير من السوريين تاركين خلفهم آباءهم وأمهاتهم. ليبقى كبار السن وحيدين بعيداً عن أحبتهم في عمر هم أحوج ما يكونون فيه إلى عائلة دافئة تساعدهم في الأزمات الصحية. وتمنحهم بعض الفرح في لحظاتهم الباقية.
رحلَ وحيداً مجهولاً
في العام 2021، قال قائد كتيبة في الدفاع المدني بدمشق. إنهم عثروا على جثة لرجل مجهول الهوية يبلغ من العمر نحو 70 عاماً في منطقة القصاع بالعاصمة السورية. وأضاف حينها في تصريحات نقلها تلفزيون الخبر، إن اكتشاف الجثة جاء بعد 3 أيام من الوفاة. وقبل أيام قليلة من الحادثة كان قد تم العثور على جثة رجل خمسيني في حي أبو رمانة بعد تعرضها للتفسخ.
تتعدد الحالات المشابهة التي يتم الإعلان عنها باستمرار، وتشمل معظم المناطق السورية، التي تُعرف بأنها مناطق ذات ترابط اجتماعي وثيق. لكن في الغالب فإن سنوات الحرب وتداعياتها، جعلت هناك حالة من التوجس تجاه الآخر حتى لو كان جاراً. أضف إلى ذلك انشغال الجميع بحياتهم والركض خلف لقمة العيش على حساب العلاقات الاجتماعية.
وهنا يبرز دول الدولة، في رعاية كبار السن والاهتمام بهم، والأمر لا يقتصر على تأمين المسكن فكثر منهم يمتلكون منازل. ولا تأمين الطعام فحسب، فالأمر يحتاج لرعاية اجتماعية كاملة تضمن حصول كبير السن على الخدمة الإسعافية حين يحتاجها. لا أن يموت لوحده لأنه تعرض مثلاً لجلطة ولم يجد من يسعفه.
ما مصير الاستراتيجية الوطنية لحماية كبار السن على أرض الواقع؟
خلال العام 2023، أطلقت الإسكوا والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، الاستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن وحمايتهم. التي تتضمن الحماية الاجتماعية والأمن المالي والصحة الجسدية والعقلية لهذه الشريحة من السكان. إضافة إلى تقديم الرعاية الاجتماعية والوقاية من الإهمال.
ومع ذلك ورغم مضي نحو عام على إطلاقها، إلا أنه لا خطوات فاعلة على الأرض الواقع حتى اليوم. فمعظم كبار السن مازالوا يعانون العمل المجهد لتأمين قوت يومهم.
“سهيلا” 71 عاماً، معلمة متقاعدة غير متزوجة تعيش في ريف مدينة “جبلة”، تعيش وحيدة في منزل بالقرب من أشقائها. تقول لـ”سناك سوري”، إنها تعمل في قطعة أرض ورثتها عن والدها، تزرعها بالتبغ وتجاهد بالعمل بها لتحصل على مردود بسيط. يساعدها على شراء الاحتياجات فقط، بينما يذهب معظم راتبها ثمن أدوية ضغط وأخرى خاصة بالقلب.
تضيف “سهيلا”، أنها لا تحاول اللجوء لأشقائها دائماً، فهي تدرك معاناتهم في تأمين متطلبات الحياة. إلا أنها لا تتردد من طلب المساعدة في الحالات التي تعجز بها عن التصرف. كما حدث حين طلب إليها طبيب القلبية إجراء قثطرة علاجية كلفتها مليون و800 ألف ليرة صيف العام 2023.
ومع تحوّل معظم الخدمات العلاجية في المشافي الحكومية إلى مأجورة، لم تلحظ الحكومة حالات كبار السن الذين لا يملكون القدرة على العمل، ولا حتى لديهم رواتب تقاعد تكفي متطلباتهم الصحية الغذائية.
المشكلة الحقيقية أن شريحة كبار السن باتساع مستمر نتيجة هجرة الكثير من الشباب، وبحسب إحصائية لليونسيف. فإن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً سيزدادون نحو 5 أضعاف بين عامي 2020 و2050، من نحو مليون و300 ألف شخص بنسبة 7.5% من إجمالي سكان سوريا إلى 6.5 مليون بنسبة 19.8% من إجمالي السكان.