
عميد صحفيي الثورة السورية يخسر أمام الذباب الإلكتروني
سناك سوري – فراس الهكار
ليست لغتي الإنكليزية ممتازة بل هي أقل من جيدة، حتى أنني لا أجيد التحدث بالإنكليزية لكني أستطيع فهم الحديث الذي أسمعه، وقد اعتدت خلال عملي الصحفي أن أشكك بأي محتوى أراه على شبكات التواصل، على الأقل هذا ما تعلمته خلال الحرب السورية والدور القذر الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي فيها.
رأيت فيديو إيفانكا ترامب وحديثها حول السعودية عبر الفيسبوك، وكان واضحاً أن الحديث الذي تقوله غير الحديث الذي ترجمه بالعربية أحد عناصر الذباب الإلكتروني، ويبدو أن مصدره الخليج العربي وهو ناتج عن الصراع القطري السعودي، إلا أن كثيرين تلقفوا الفيديو وتداولوه وروجوا له، دون الانتباه إلى مفردات حديثها، أو محاولة فهم بعضها على الأقل، كان من بين هؤلاء “يوسف علاونة” المعروف بعلاقته مع “محمد بن زايد” ولي عهد أبو ظبي الذي نشر فيديو له وهو يفند الحديث ويعيد شرح ترجمته الخاطئة دون التبين من صحتها. ثم يحذف الفيديو لاحقاً بعد أن اكتشف متابعوه أن حديث إيفانكا هو غير الحديث المترجم بالعربية.
وهذا ما كشفه الدكتور “أسامة فوزي” الذي تمكن من حفظ نسخة من فيديو “علاونة” وسخر منه، قبل أن يقوم الأخير بحذفه.
ثم نقرأ مقالاً مطولاً في صحيفة الثورة السورية عدد يوم أمس الجمعة بعنوان “حدث مع إيفانكا” عن ذات الفيديو وترجمته العربية الحرفية المفبركة دون التبين من صحة الترجمة، يشرح فيه الكاتب “ديب حسن” أبعاد هذا التصريح الخطير، ويعتمد عليه في إظهار هشاشة المجتمع الذكوري السعودي أمام أنثى جميلة، تتغنج أمام الأمراء لتشفط نفطهم وهم منشغلون بـ”البحلقة” بمفاتنها.
الغريب في الأمر أن “ديب حسن” يعد من (أعمدة الإعلام السوري) و صحيفة الثورة التي يتولى منصب أمين تحرير الشؤون الثقافية فيها منذ سنوات، ومع ذلك فهو لم يكلف خاطره البحث أكثر في الفيديو والتدقيق في الترجمة أو تكليف أحد الموظفين في الجريدة ممن يتقنون الإنكليزية أن يطلع عليه قبل أن يستشهد به في مقالة تتصدر صحيفة حكومية سورية والهدف منها القول (السعودية غبية).
اقرأ أيضاً : شباب وصبايا الصحافة اليوم …. فراس الهكار
إن المقال المنشور في الصحيفة سقطة إعلامية وهي ليست إلا دليلاً إضافياً على ضعف الإعلام السوري وقلة مهنيته، وعدم قدرته حتى اللحظة على المواكبة الحقيقية لما يجري حوله، أي أن هذا الإعلام وقع ببساطة في فخ الذباب الإلكتروني كما وقع “علاونة”، والمشكلة أن “إيفانكا” لم تأت على ذكر السعودية في حديثها، بينما الترجمة المفبركة كانت تتهجم على السعودية بشكل واضح. إن أي إنسان مهما كانت لغته الإنكليزية متواضعة يستطيع تمييز بعض المفردات التي قالتها “إيفانكا” ويتبين أن حديثها الذي تقوله في الفيديو، هو غير المترجم.
سبع سنوات مرت شهدنا خلالها آلاف المقاطع المفبركة بمختلف أنواعها ومع ذلك لم يتعلم الإعلام السوري أن عليه التحقق من أي محتوى يصله عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل تداوله والترويج له، وإذا كانوا لا يعرفون ذلك فليستعينوا بنشطاء الفيسبوك الذين يعرفون جيداً أن هناك دولاً كدول الخليج توظف الآلاف في مجال نشر وترويج الشائعات ممن يعرفون بالذباب الإلكتروني، ومهمتهم هي ترويج الأكاذيب ونشرها وفبركة الفيديوهات وطرحها للتداول على شبكات التواصل والتي ما تلبث أن تنتشر كالنار في الهشيم، في ظل صراع خليجي خليجي ليس الإعلام ببعيد عنه.
هذا الإعلام ذاته كان قبل أيام يتحدث عن فبركة فيديو ضد قناة سما وينتقد برنامج “جو شو” ويشير إلى عدم مهنيته واجتزاءه مقطعاً من لقاء القناة مع الصحفية “إيزابيل”، فهل سينتقد نفسه على خطأه المخجل في التدقيق بترجمة الفيديو والانسياق خلف بروباغندا الآخرين!؟.
اقرأ أيضاً : زوجة ماكرون تدخل دائرة (الشلي) في سورية
إن وسائل التواصل سلاح ذو حدين، مما يحتم علينا دائماً إخضاع المحتوى المتداول للتشكيك والتفنيد والبحث قبل أن نجد أنفسنا متورطين بالترويج له.
ورغم أن الترجمة المفبركة لا تختلف في الحقيقة عمّ جرى خلال زيارة الرئيس “ترامب” وعائلته إلى السعودية، لكن هذا لا يعني أن ننسب حديثاً مفبركاً إلى “إيفانكا ترامب” ونقوم بتداوله وكأنه حقيقة خالصة، لنكون من حيث ندري ولا ندري شركاءً في المهزلة الإلكترونية.
تُشكل هذه الحادثة درساً جيداً لرواد شبكات التواصل الاجتماعي، ويجب أن يتعلم منه النخبة قبل العوام كي لا يخرجوا علينا بمقالات وفيديوهات تحليلية للخطاب غير الموجود أصلاً.
* فراس الهكار: رئيس تحرير مجلة قلم رصاص الثقافية – المصدر سناك سوري
يمكنكم مشاهدة الفيديو هنا