الرئيسيةيوميات مواطن

صباح آخر ممل.. لم جمعتني مع هذا الكئيب يا إلهي؟!

آه يا وجهي الحلو كم أنت فارغ.. ماذا لو بدأتم صباحكم الممل بحديث مع شخص كئيب؟!

صباح آخر مجعّد، ماء عكر في البركة، وشجرة الكينا الضخمة تحجب بظلالها قسم من البركة، وفي القسم الآخر تراقب عيناي ضفدع نطاط وهو يجعّد بساقيه المقوستان وجه الشمس الكامن في قشرة الماء الغنية بالطحالب.

سناك سوري-شاهر جوهر

يسبح ثم يغوص في الأعماق، ثم يختفي، وحين أنتظر آخر، يقترب خارج البركة جاري “حمد”، بدا بيداه المقشرتان بفعل العمل بالأرض وقميصه الأخضر المقلّم كتمساح جذفه النهر خارج ضفتيه.

فوقنا شمس صفراء باهتة كما في السنوات الثماني السابقة، ماء ضحل وشمس، شمس وماء، وبينهما يسقط وجه “حمد” المغمّس بالخذلان، بشفتين قشيبتين أتعبهما رمضان وهذا العمر المقيت يقترب جاري “حمد” فوق رأسي مغاضباً:

– ماذا تتأمل؟
– لا شيء، أقضي ساعة أخرى من هذا العمر

تأوه ثم رد بملل:

– قبلك تأملت اللا شيء، تأملت كثيراً، انظر لهذا الرأس، لم يكن كذلك قبل عام، كان هنا شعرة واحدة بيضاء وهنا اثنتان وقرابة أربع في قُصّةُ رأسي، أما الآن فيكاد يندر الشعر الأسود في رأسي

صَمتْ ثم نظر إلي نظرة خاوية:

– ما بال وجهك وقد سفعته الشمس، ازدادت سمرتك عن آخر مرة رأيتك بها يا حلو
– إنها الزراعة، قطيعة تقطعها

شيئاً فشيئاً أقتربُ من وجه البركة لاكتشف كم غيّرت الشمس من جمال وجهي

آه يا وجهي الحلو
كم أنت فارغ
يا وجه الهموركتس البائس
يا أول خطوة للإنسان
وآخر سلالات الخطيئة
آه يا وجعي

اقرأ أيضاً: سبب مقنع للجوء … شاهر جوهر

– لا تقلق، في القسم الآخر من عالمنا يدفعون مالاً ليحصلوا على هذه البشرة السمراء، إنها موضة.. (قال حمد بمزاح)، سكتْ ثم وبقصد شوّه مرآة وجهي بحجر صغيرة قذفها في وجه البركة:

– ما المبهج في هذا العالم يا جاري؟

شيء ما في كلماته الأخيرة حرّك ماء قلبي الراكد، حوّلتُ رأسي إليه، ألقيت نظرة فارغة إلى مراغم وجهه، آه كم غيرته السنون، شاربان حليقان، أين هما الشاربان العربيان الغليظان، يا قلب أمي الحنون والموجوع، كم غضّنت الأيام وجهك يا جاري:

– هل أفهم أنّك طُردت من وظيفتك؟!

هز رأسه بالإيجاب، ثم رمى حجراً أخرى

– وماذا الآن؟
– لا شيء

قال ذلك ثم غرق تفكيره في البركة، عيناه الفارغتان تغوصان في تفكير عميق:

– بماذا تفكر؟
– بلا شيء

ضحكتُ ملء قلبي، ثم كررت مازحاً:

– قبلك تأملت اللا شيء، تأملت كثيراً، انظر لهذا الرأس، ولهذا الوجه الأسمر الحلو ..
ابتسم ولكزني بكوع يده، تمطى ثم صاح حتى فزعت لصوته غربان فوق شجرة الكينا:

– صباح آخر ممل، لم جمعتني بهذا الكئيب يا إلاهي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى