سيدات في الخمسين من العمر بدأن عملاً جديداً لطالما كان حكراً على الرجال في سوريا
سناك سوري- نورس علي
بعد خمسة وعشرين عاماً من العمل الإداري في قسم كهرباء مدينة “بانياس” بدأت “رغيبة سليمان” و “سرور درويش” و “نهلة اسماعيل” و “فاطمة الجردي” تجربة عمل ميدانية جديدة وهي قراءة عدادات الكهرباء.
الموظفات تحضرن لسلبيات وإيجابيات التجربة الجديدة فتحصنت كل منهن بالنَفَسِ الطويل والحلم والتعقل بالتعامل مع ردات فعل أرباب المنازل والمجتمع بشكل عام كونهن يمارسن المهنة التي كانت تقتصر في سوريا على الرجال خلال العقود الماضية.
التجربة وصفت بالأولى من نوعها في “بانياس” حسب حديث “رغيبة سليمان” مع سناك سوري، وأضافت:«أن هذا العمل كان حكراً على الرجل لما فيه من صعوبة في التعامل مع المواطنين وصعوبة القطاعات الجغرافية الكبيرة المسؤول عن قراءة عداداتها، وكذلك المسافات الطويلة التي يجب قطعها خلال العمل»، مشيرة إلى أن قطاع عملها كان سابقاً ضمن شعبة التأشيرات وهو عمل إداري تتابع من خلاله عدادات منطقتي “تالين” و”جليتي” التابعتين لقسم كهرباء “بانياس” إضافة لبعض الجولات الميدانية البعيدة عن التعامل مع المواطنين بشكل مباشر، وهو ما منحها خبرة كبيرة وظفتها في مجال عملها الجديد في قراءة عدادات الكهرباء.
اقرأ أيضاً:“أم النور”.. اختارت أن تعمل سائقة تاكسي أجرة لتأمين حياتها!
فكرة العمل التي طرحها عليها مدير القسم لاقت استحسان “رغيبة” فهي ستمكنها من ممارسة رياضة المشي التي تحبها وتحتاجها أيضاً كونها أصبحت في سن الخمسين وتحتاج للسير يومياً، إضافة لمزايا أخرى منها توفير أجور المواصلات من قريتها “تالين” إلى مركز مدينة “بانياس” للدوام في قسم الكهرباء فيها.
مواقف ظريفة وأخرى قاسية تعرضت لها قارئة العدادات خلال عملها الجديد فتقول:« إحدى ربات المنازل تفاجأت عندما طرقت الباب وبدأت بقراءة العداد، فقالت لها “أنت عم تقرأي العداد ليش وين الرجال” فأجابتها “ليش من شو بنشكي نحن” مما اضطرها للاعتذار فوراً ومحاولة استضافتي».
بينما ربات منازل أخريات أثنوا على عملها وشجعوها عند معرفتهم بأنها مهمة جديدة تحاول إنجازها، وحاولوا استضافتها داخل المنزل لشرب القهوة، وهذه برأيها بيئة عمل جديدة تتيح لها تأسيس علاقات اجتماعية جديدة.
العمل الإداري في شعبة الدراسات الذي مارسته “سرور درويش” على مدى سنوات طويلة كان في بعض منه ميدانياً بين أبراج التوتر وأعمدة الكهرباء ولكن العمل في شعبة التأشيرات مختلف حسب حديثها مع سناك سوري، وتضيف:«زوجي موظف معي في ذات القسم وهو أول من شجعني لهذه المهمة، وأحاول بكل جهدي إنجاح تجربة العمل في هذا المجال فهي بالنسبة لي بمثابة تحدي».
وعن بعض المواقف التي تعرضت لها قالت: «في أحد المنازل سألني رب الأسرة “ليش أنت يلي عم تقرأي العداد” فأجبته “إذا ما بتقبلوني برجع فوراً”، فأجابني “ارجعي ما عندي مشكلة”، فغادرتُ المنزل وتابعتُ قراءة عدادات المنازل المجاورة، ومن ثم عدت مرة أخرى، وقلت له “رح تخلوني هي المرة”، فضحك وقال “أكيد”»، أما أصعب المواقف التي تعرضت لها وجود عداد كهرباء في أماكن صعبة الوصول، وقراءتها يحتاج إلى وسائل مساعدة مثل كرسي أو سلم مثلاً، وهذا دفعها لوضع حجارة فوق بعضها البعض للوصول إلى العداد.
وتضيف:«كثيرة هي المواقف التي شعرت بها بالكسر وعدت إلى مديري على الفور لأتراجع عن المهمة، ولكنه استطاع تغيير رأيي وتشجيعي وتحفيزي أكثر من مرة على المتابعة».
ربة المنزل “فاطمة معروف” رحبت بالفكرة، واستقبلت إحداهن بكل رحابة صدر وقالت: «خطوة متميزة بحق المرأة، وأشجع هؤلاء السيدات وأشد على أيديهن، فالشباب عل جبهات الحرب، ويجب أن ننهض بهذا البلد، وعلى الجميع أن يعمل، فالمرأة جزء منه ويجب أن تكون في الميدان».
بينما رب الأسرة “صالح معروف” فأكد أنها المرة الأولى التي يرى فيها امرأة تعمل كقارئ عداد كهرباء، وهذا فرض عليه طريقة تعامل مختلفة معها أساسها اللطف.
فكرة تكليف السيدات بقراءة العدادات كانت لتلافي النقص الحاصل في عدد قارئي العدادات في قسم كهرباء “بانياس” حسب ما أكده رئيس القسم المهندس “نبيل حبيب”، مشيراً إلى أنها محاولة أيضاً لتغيير نمطية عمل المرأة وتأمين كوادر عمل رديفة، وقد بدأنا التجربة في الريف والنتائج حتى اليوم مشجعة لتعميم الفكرة».