400 ألف ليرة لم تعد تكفي شهرياً.. وموظفو القطاع العام الأكثر تضرراً
سناك سوري-دمشق: لينا ديوب، السويداء: رهان حبيب، طرطوس: نورس علي
تواجه الأسواق السورية ركوداً كبيراً حالياً، جراء ارتفاع الأسعار بشكل لحظي إن جاز التعبير، في وقت لم يطرأ أي تغيير على الرواتب، ما أدى لتراجع القدرة الشرائية، واقتصارها على الغذائيات بحدودها الدنيا جداً، لعدد لا بأس به من العوائل، الظرف السابق ينعكس سلباً على كافة الأطراف، سواء التاجر أو الصناعي وصولاً للمستهلك.
400 ألف لا تكفي العائلة بالشهر في ريف دمشق
«خلص استوينا»، يقول “أبو محمد” صاحب أحد محلات الجملة في ضاحية الأسد “حرستا” بريف “دمشق”، مضيفاً لـ”سناك سوري”، أن «الناس لم يعودوا قادرين على الشراء فالدخل ثابت ومن كان راتبه يشتري نصف احتياجات البيت لأسبوع اليوم لا يشتري، مثلاً: الرز من شهر بألفين اليوم 3500 من أحد الأنواع الجيدة، الرز المصري الصيني كان بـ700 ليرة اليوم 2400، الزيت الليتر من شهر كان بـ4100 أغلى نوع، اليوم أرخص نوع 6500 و7000، السكر من شهر كان بـ 1000، اليوم 2100، المحارم كانت من شهر 1400 اليوم 2500».
ويضيف: «هناك أصناف لا يقبل العقل غلاءها مثل السمنة من أحد الأنواع المتداولة بكثرة، من عشرة أيام كان طردها 84 ألف اليوم طردها 140 ألف، علبة سمنة يرتفع سعرها 6000 ليرة، جميع الأصناف ترتفع يومياً»، مشيراً إلى أنه بالمقارنة مع السنة الماضية بنفس الوقت الزيت كان بـ700ليرة اليوم أقل ليتر زيت 7000ليرة، السكر كان 350 ليرة اليوم 2400، البرغل كان 300 اليوم 1700.
المتضرر هم اثنان حسب “أبو محمد”، المستهلك وبائع المستهلك لأن الأول لم يعد يستطع شراء المواد التي كان يشتريها من شهر أو السنة الماضية، والثاني «كان يشتري طرد الزيت يربح معو 500ليرة كان 30ألف، اليوم صار 100 ألف والربح مئة ليرة، المعنى أن رأسمالي يتآكل، كنت أرمم نقص محلي بعشر طرود من السلع المشكلة بمليون ليرة، اليوم نفس الكمية تحتاج أربعة أو خمسة مليون، ومهما بعنا بهامش ربح وواكبنا زيادة الأسعار فهي في ارتفاع، ولا رقيب ولا حسيب، لأن الكثير من الشركات عندها بضائع مخزنة، وبت أفكر بتصفية محلي وإغلاقه».
لم تعد الأسر السورية تشتري كميات تغطي احتياج شهر أو أسبوع كما جرت العادة، بل كل يوم بيومه، حسب “أبو محمد” «مثلاً هناك من يشتري بيضتين أو خمس بيضات وليس صحن بيض، أو بخمسمئة ليرة لبنة وليس نصف كيلو، لم يعد هناك زبائن تشتري نصف كيلو قهوة يذهبون لمحل يبيع فرط بألف ليرة، علماً أن زبائني ليس فقط موظفين هناك شغيلة وأصحاب مهن».
يروي “أبو محمد” لـ”سناك سوري”، كيف أن سيدة جاءت إليه ومعها عشرة آلاف ليرة أجرة زوجها ليومين وكانت تريد طبخة مجدرة أي كيلو رز وليتر زيت وعدس، فعدلت وجبة الغداء إلى لبنة وزعتر وبيض، لأن سعر الزيت والعدس والمجدرة بحدود 15 ألف، يضيف: «حتى بالنسبة للدين لم نعد نستطيع أن نقدم هذه الخدمة، إن صح التعبير لأن الأسعار بازدياد».
“أبو ماهر” أحد زبائنه، الذي تصادف وجوده معنا في المحل، قال لـ”سناك سوري” إنه موظف وعنده محل ويعمل كذلك على سيارته بشكل متقطع، بدخل شهري يصل حتى 400 ألف ليرة أحياناً، إلا أن هذا الدخل لا يمكنّه من شراء الفاكهة سوى مرة واحدة كل أسبوع، يضيف: «واللحم من أربعة أشهر لم يدخل بيتي، والفروج كل عشرة أيام كيلو ونصف توزعهم زوجتي على أكثر من طبخة».
اقرأ أيضاً: سناك سوري يفتح دفتر ديون سوريين…. ماذا كتب فيها السمان؟
عدد المشترين نقص إلى الربع في “السويداء”
يؤكد “رائد” 32 عاما مدير أحد مراكز الجملة شمال مدينة “السويداء”، عزوف غالبية الزبائن عن الشراء، بفعل ضعف القدرة الشرائية، وأنه مهدد بعدم التوزيع وكساد بعض البضائع، بسبب نقص زبائنه وخسارته أكبر شريحة منهم وهم ذوي الدخل المحدود، مشيراً أنه مضطر لكسر السعر بحدود ضيقة للتسويق، كما فعل مع الزيت الذي باعه لمدة يومين بسعر أقل بنحو 1000 ليرة، وبعض السلع قبل نفاذ صلاحيتها.
نهاية شباط الفائت، وهو الموعد الذي التقى “سناك سوري” بـ”رائد”، انحصر زبائنه بعوائل المغتربين، وبعض التجارة وهم أقلية لا تتجاوز نسبتهم 25%، كما يقول، ويضيف: «الموظفون لم يعودوا من زبائني، فهم مضطرون للشراء بالقطعة، ما يعرضهم للاستغلال من تجار المفرق مع غياب الرقابة».
تقول “رؤى” 28 عام معلمة متزوجة حديثاً، إنها طلبت عبوة زيت نباتي سعة 4 ليتراً، بلغ سعرها 26 ألف ليرة، أي نصف راتبها تقريباً، تضيف: «التاجر كان قد وضعها ضمن العرض، يبيعها بـ25 ألف ليرة، لكني لم أتمكن من الحصول عليها، فاختصرت الكمية إلى ليتر واحد لأتمكن من شراء باقي الاحتياجات كالأرز والسكر والمحارم».
وسط هذه الأجواء، يحاول “سامر أبو خير” تاجر مواد غذائية وألبان وأجبان في المدينة، اتباع سياسة خاصة، تؤمن له المحافظة على زبائنه، يقول: «أقوم بشراء كميات كبيرة بسعر أقل، وأقوم ببيعها بهامش ربح أقل من غيري كوني حصلت عليها بسعر أقل، حتى لو كان الفارق ليرات بسيطة فإن الزبون يتشجع».
“أبو خير” الذي افتتح محله قبل 8 سنوات، يؤكد أن شهري كانون الثاني وشباط الفائتين، كانا الأصعب على الإطلاق، نظراً لعدم ثبات الأسعار، يضيف: «للأسف عدنا لدفتر الدين لأننا ببساطة لا يمكن أن نبيع دون تقديم بعض التسهيلات خاصة لزبائني من موظفين وأصحاب الدخل المحدود».
“نادر العيسى” 64 عاماً من “السويداء”، استغنى مؤخراً عن الطحينة والزبدة، ولا يشتريها إلا للضرورة، كذلك عن اللحوم، وخفض من استهلاك المتة والقهوة للحدود الدنيا، أما بالنسبة للبنة والبيض، فبات يشتري مثلاً 10 حبات بيض، ونصف كيلو لبنة، وحين تنفذ المواد مع نفاذ الراتب يلجأ إلى الزيتون في الفطور دون إضافات أخرى.
اقرأ أيضاً: السويداء… محلات جملة تغلق أبوابها: الأسعار غير مستقرة
طرطوس: أسواق اليوم مضطربة يعاني منها تجار الجملة قبل المفرق
يقول تاجر الجملة “يزن سلمى” في “بانياس”، بمحافظة “طرطوس”، إن حالة الأسواق سيئة جداً ولا يمكن مقارنتها بأي وقت مضى، لعدم استقرار الأسعار، مضيفاً لـ”سناك سوري”، أن تاجر الجملة يبيع اليوم بأرباح بسيطة جداً، وغالباً فإنه في اليوم التالي للعمل، يضطر لدفع مبلغ إضافي فوق سعر المبيع لشراء الكمية والحاجات نفسها التي باعها قبل يوم مثلاً، كون الأسعار تكون قد ارتفعت مجدداً.
يورد “سلمى”، مثالاً على كلامه، فقبل يوم واحد باع طرد معكرونة من النوع المتداول بكثرة، بسعر 27500 ليرة، وحين أراد شرائها في اليوم التالي من الموزع تفاجأ بأن سعر الطرد أصبح 28500 ليرة، يضيف: «طبعاً هذا دون أجور النقل التي أتحملها بالغالب، وبالنتيجة رأس مالي الذي كان يشتري /10/ صناديق زيت مثلاً، لم يعد يشتري أكثر من /8/ صناديق فقط».
الكميات المستجرة من زبائنه تجار المفرق انخفضت نحو 15%، بحسب “سلمى”، مشيراً إلى أن البعض تخلى عن السلع ذات الأسعار المرتفعة كالزيت ومساحيق الغسيل، وحجتهم أن رأسمالها كبير وربحها قليل.
تاجر المفرق “معتز قسيس” من مدينة “طرطوس”، يقول إن غالبية تجار السمانة لم يعودوا يمتلكون القدرة على شراء كميات كبيرة من السلع، ويقتصرون على كميات وأصناف محددة، خصوصاً أن الزبائن يشترون الأساسيات فقط وبكميات لا تتجاوز ربع الكميات التي كانوا يشترونها سابقاً.
على سبيل المثال، من كان يشتري نصف كغ جبنة، بات يشتري 200 غرام فقط، بحسب “قسيس”، مضيفاً أن نوعية الزبائن باتت محدودة، ضمن نطاق أهالي المغتربين والبحارة، أما ذوي الدخل المحدود من الموظفين بالقطاع العام فشرائهم بات شبه متوقف، حتى زبائنه من موظفي القطاع الخاص قلّت مشترياتهم وتقتصر على السمنة والزيت والشاي والحليب ومشتقاته، وبعض السلع الترفيهية كالمكسرات الفاخرة مثلاً والحلويات، بعد أن كان بزخهم واضح العام السابق ويشترون بكميات غير محدودة تكفي لشهر وتزيد.
اقرأ أيضاً: الشوئسمو نزل والأسعار ثابتة.. وزيرة سابقة: الاحتكار سبب
يرى السمان “محمد حاتم” من ريف “بانياس”، أن تاجر المفرق هو الأكثر تأثراً بفروق الأسعار، خصوصاً أن زبائنه من ذوي الدخل المحدود الذين لم يعودوا قادرين على الشراء، ما انعكس سلباً عليه، وجعل تجارته بطيئة وضعيفة، قياساً بما كانت عليه الصيف الماضي حيث كان الموظف يشتري حاجيات منزله كل أول شهر، أما الآن فهو يشتري حاجيات يومه فقط وبكميات محدودة جداً.
“زياد معروف” موظف اختصر مؤخراً المعكرونة والفروج والسمك من قائمة مشترياته الشهرية، رغم أهميتها بالنسبة لأطفاله الأربعة، و معها الفواكه، ومثله “مصطفى بربر” والد ثلاثة أطفال خفض كمية بيض المائدة المستهلكة شهرياً من صحن ونصف إلى نصف صحن فقط، ويقول: «حتى الفلافل وجبة الفقراء والتي كنا نتناولها يومياً في السهرة للتسلية، اختصرناها لمرة واحدة يوم الجمعة، أما بالنسبة للطحينية والحلاوة والتمر والمرتديلا والموالح فقد أزلتها من قائمة مشترياتي لغلاء سعرها ومحدودية دخلي، أما فيما يخص وجبة الغداء فباتت أيضاً نصف الكمية التي كنا نحضرها يومياً ليومين متتاليين».
وفي “اللاذقية”، يقول “اسماعيل”، موزع ووكيل إحدى شركات المنظفات، أنه لم يدخل ليرة واحدة خلال شهر شباط، على العكس بلغت خسارته أكثر من 150 ألف ليرة هي ثمن البنزين اللازم في عملية التوزيع، يضيف: «تجار الجملة والمفرق يرفضون شراء البضاعة حتى لو بالدين، ويقولون إن تركيز المواطنين حاليا في الشراء على أصناف محددة جداً من الغذائيات».
هامش: الأسعار الموجودة في المادة تعود للأسبوع الأخير من شهر شباط الفائت.
اقرأ أيضاً: خلال 2020.. الأسعار جنّت والراتب زاهد!