ذكريات مهرجان القطن في حلب.. ورغدة ملكته!
رغدة لـ"سناك سوري": هل تزهو حقولك ببياضه مرة أخرى يا حلب؟
سناك سوري – عمرو مجدح
“يا حواشات القطن.. وحدة منكن نصيبي.. والله مرضي هون.. بس شوفوني حبيبي”، على وقع هذه الأغنيات كانت تتسابق أيدي النساء “الحواشات” بسعادة لقطاف القطن وهن يشكلن مجموعات في تلك المساحات الواسعة بعد شهور الانتظار.
في “حلب” المدينة العتيقة اعتاد الأهالي من أبنائها والشمال السوري، الطواف احتفالاً وهم يزفون “الذهب الأبيض” إلى المدينة وكأن قلعتها تبارك في المحاصيل الزراعية. يعتقد أن المهرجان قديماً كان ذو طابع شعبي عفوي يقوم به المزارعون بعد الحصاد وهم قادمين من الأرياف إلى عتبات المدينة الملقبة بـ”الشهباء” منشدين أغنياتهم وكانت حلب مركزاً صناعياً وتجارياً هاماً يومها. تبنّى وأشرف بعدها القطاع الخاص على الاحتفال وكانت صناعة القطن الحلبي في أوج عطائها وشهرتها وتنافس صناعة النسيج الإنجليزي.
في العام 1954 صدر المرسوم رقم 2088 بإنشاء طوابع خاصة بمهرجان القطن وفي العام 1959 احتفل به بشكل رسمي وكرنفالي، تحت إشراف وزارة الزراعة والهيئة العامة لحلج القطن وتسويقه واتخذت ساحة “سعد الله الجابري” مركزاً للاحتفال فكانت تمر العربات والمجسمات الفنية المزينة بالقطن والتي ترمز إلى الصناعة والتراث السوري يصحبها عروض استعراضية.
يتذكر “كامل أشرفية” تفاصيل مهرجان القطن في سبعينيات القرن الماضي ويقول لسناك سوري: «مهرجان القطن حدث سنوي هام يقام على ما أذكر في منتصف شهر “أيلول” وكان الخوف دائما من نزول الأمطار وكانت ساحة “سعد الله الجابري” هي النقطة الأساسية للمنصة الراعية للمهرجان التي يجلس عليها كبار الشخصيات، وكان بيتنا على تقاطع شارع القوتلي ومطل على الممر الرئيسي حيث أن ساحة “سعد الله الجابري” لا تبعد عن البيت سوى 200 متر، المنزل الذي يمتلئ مع الاحتفال بالزوار والمعارف لمشاهدة الحدث وهكذا يطل الجيران من النوافذ والشباب على الأسطح».
اقرأ أيضاً: نساء “دير الزور” يَجنين قطنها.. السباق مستمر فمن تقطف أكثر؟
ويضيف “أشرفية”: «كانت تشارك فيه الفعاليات الاقتصادية ومؤسسات الدولة ويتم تزين السيارات بالقطن بألوان زاهية وكانت عادة تكون شاحنات متوسطة الحجم يتم تصنيع هيكل خشبي عليها لرموز الإنتاج كعمل منجل أو رمز إنتاج معين ويجلس الشبان والشابات بلبس شبيه بالكرنفالات وبعض اللباس يكون تقليدي للمنطقة المنتجة للقطن وكانت الفرق الكشفية تشارك وفرق الفنون المسرحية وكذلك المحافظات المشاركة كما أن بعض المدارس تشارك في المهرجان ويجتمع أهالي حلب نساء وأطفال ورجال على طول المسار المخصص لطريق المهرجان».
استعادت ذاكرتي مشهد الحلوى المتساقطة من طائرة “هليكوبتر” على الجماهير خلال مهرجان القطن فراس جليلاتي أحد أبناء المدينة
منزل “سحر كامل” كان قريباً، إلا أن مسيرة المهرجان لم تكن تمر به، كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”: «كنت أنزل مع والدتي وأخواتي لمشاهدته كنت دائما مع الجمهور ربما لم تتح لي المشاركة لأننا لا نملك أرضاً تنتج القطن ولسنا من موظفي المحالج ولست بمواصفات ملكة جمال المهرجان».
وتتابع “كامل” سرد ذكرياتها مع مهرجان القطن في فترة “السبعينات”، فتقول: «كان عرساً وفرحاً حقيقياً يجمع كل فئات المجتمع من كافة الأعمار وترى الجماهير محتشدة على شبابيك المنازل وشرفاتها بشارع “القوتلي” الذي ينتهي بساحة “سعد الله الجابري” لمشاهدة الإبداع الفني والاقتصادي وتظهر تشكيلات فنية مرسومة بالقطن الملون وأسماء الصناعيين المهتمين بالمنتج ولا أنسى آثار القطن العالقة على أشجار السرو والصنوبر أثناء شحنها إلى محالج القطن بشارع فيصل».
كان من طقوس المهرجان اختيار ملكة جمال القطن بعد منافسة بين عدد من الفتيات لتتصدر الملكة الموكب ومن أشهر ملكات جمال القطن في سبعينيات القرن الماضي الممثلة السورية “رغدة”، وقد سبق ذلك دخولها عالم الفن من بوابة “القاهرة”.
تواصل سناك سوري مع “رغدة” وحدثتنا عن مشاركتها في المهرجان قائلة: «كان عناق ملائكي بين بياض القطن آنذاك وبين بياض القلوب في تلك المدينة الساحرة ولم يكن الموكب الذي حملني جائلا بي أرجاءها إلا وعدا بحسرة مريرة يوما على فقد ذلك البياض بإمضاء حبر قاتم الأحداث فهل تزهو حقولك ببياضه مرة أخرى يا حلب وتنجلي عن القلوب قتامتها لتعود المواكب فيك ويعود العناق».
اقرأ أيضاً: مجلة أميركية تختار الفنانة السورية “رغدة” امرأة العام
هل تزهو حقولك ببياضه مرة أخرى يا حلب؟ الممثلة السورية رغدة
لا ينسى “فراس جليلاتي” تفاصيل ذلك اليوم وهو طفل في فترة “التسعينات” بين جموع المتفرجين ممسكاً بيد والده في ساحة “سعد الله الجابري” والبشر مصطفّون يميناً ويساراً وعربات مهرجان القطن تسير في منتصف الطريق بتصاميمها المميزة وتصاحبها العروض الاستعراضية المتنوعة وهي تخلق حالة من البهجة.
يتابع “جليلاتي” حديثه لسناك سوري: «كان الاحتفال محبب لدى أهالي “حلب” وهناك ذكريات عديدة خاصة في طفولتي فكلما تذكرت مهرجان القطن استعادت ذاكرتي مشهد الحلوى المتساقطة من طائرة “هليكوبتر” على الجماهير وكطفل كان يشدني منظر أكياس “البنبون” العالقة على قمم الأشجار وبعض جماهير الشرفات يحاولون الحصول عليها باستخدام العصي».
تقول “سارة حلبي” كان بيتنا في منطقة “السبيل” وبيت جدي عند “محطة بغداد” وكان كرنفال القطن يمر بساحة “سعد الله الجابري” القريبة من “محطة بغداد”، وتضيف: «أتذكر أمي وهي تأخذنا لمشاهدة العربات والاستعراضات وحالة الفرح التي تعيشها المدينة في ذلك اليوم».
في العام 2019 عندما عاد مهرجان القطن بعد سنوات من التوقف بسبب الحرب استعادت “حلبي” كل صور ذكرياتها العتيقة، كما تقول وتضيف: «وتجسدت طفولتي أمامي وأنا أشاهد ابنتي تشارك بالكرنفال مع فريق الكشافة كان إحساساً مختلفاً وغريباً أن أشاهد نفس الاستعراض الذي كنت أراقبه بانبهار و أنا طفلة بينما تسير ابنتي مشاركة فيه لتدمج بين الزمنين».
يذكر أن تقليد مهرجان القطن عاد للحياة عام 2019 إلا أن صناعة القطن تأثرت بشكل كبير وشهدت تراجعاً خلال السنوات الأخيرة ويعود ذلك للعديد من العوامل أبرزها الأزمة السورية التي بدأت قبل عشر سنوات.
اقرأ أيضاً: فلاحون عزفوا عن زراعة القطن.. لهيك صار سعر الشورت 28ألف؟