المقاهي لم تسلم من الحرب والمعارك لكنها تعود من جديد إلى المدينة التي وصفت سابقاً بأن بها بين المقهى والمقهى مقهى!
سناك سوري-فاروق المضحي
يجول “غسان الأسعد” بناظريه على المقهى الذي لم يتبق منه سوى الجدران، بعد أن كان فيما مضى يعج بالحركة والحياة والمرتادين بخلافاتهم الجميلة حول نرد طاولة الزهر، أو على هدف كروي سجله لاعبهم المفضل، أو حتى على هزيمة “دق 41”.
«كل تلك التفاصيل كانت تجعل للمقهى أجواء خاصة افتقدتها طيلة سنين الحرب»، يقولها “الأسعد” بلهجته الديرية ونبرة صوت ممزوجة بالكثير من الأسى، مضيفاً لـ”سناك سوري”: «بعد العودة إلى المدينة لم أجد إلا الجدران كل شيء دمر وسلب ونهب ولم يعد المقهى الذي أحببت كما كان جميلا بل بات رماداً وحطاماً ومجموعة ذكريات حفرت في مخيلتي».
الرجل الذي “قلع أسنانه بالمقاهي” عمد إلى استثمار مقهى آخر في الشارع العام داخل المدينة، فهو كما يقول: «أحب رؤية الناس مجتمعين يتبادلون الأحاديث ويمضون وقتهم في التسلية وهذا كان الدافع وراء عودتي ولي زبائن مازالوا يترددون بشكل يومي على الرغم من تغير المكان لعدة مرات».
اقرأ أيضاً: “دير الزور”.. المدينة السورية التي لا تحتاج “مسحراتي”!
مقاهي ما قبل الحرب كثيرة وما بعد الحصار مقهى واحد فقط!
ما قبل الحرب لم يكن يخلو شارع أو حي أو سوق في الدير من المقاهي، التي كانت منتشرة بشكل كبير وبظاهرة غريبة، متنوعة تناسب جميع الشرائح، حيث كان لكل مقهى مجموعة خاصة من المرتادين يحضرون إليه ويمضون أوقاتهم فيه، مثل مقاهي “عصمان بيك” و”الجندول” و”جرداق الورق” و”البرج” و”مقهى الشباب” و”الزهراء”، لكن للأسف كان مصير معظم هذه المقاهي الدمار كما حل بباقي أحياء وأسواق المدينة.
مع الحصار الذي فرضه “داعش” على المدينة بداية عام 2015، بدأت المحال تغلق أبوابها مع فقدان السلع وارتفاع الأسعار كالشاي والقهوة والسكر، مقهى واحد في شارع الوادي بقي مفتوحاً أمام رواده، لكن تفاصيل المقهى تغيرت، وعوضاً عن ممارسة الألعاب والترفيه بات المرتادون يجتمعون فيه لمعرفة آخر الأخبار والتطورات والاطمئنان على بعضهم البعض خلال تلك الأيام الصعبة جداً التي كابدوها.
المقاهي الشعبية الأكثر رواجاً
مع عودة الأهالي وخروج الكثير من الأحياء عن الخدمة بسبب الحرب وانحسار الأهالي في أحياء معينة أدى ذلك الى تقلص أعداد المقاهي في المدينة الى ١٥ مقهى معظمها شعبية تقدم المشروبات الحارة والباردة على اختلاف أنواعها إضافة إلى الأركيلة وورق اللعب فيما اتجه بعض هذه المقاهي لتقديم خدمة حضور المباريات العالمية عبر شاشات عرض لكسب فئة الشباب والرياضيين.
في حين ما تزال الكافيتريات قليلة ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كما أن الاقبال عليها أقل بسبب ارتفاع الأسعار فيها، مقارنة بالمقاهي الشعبية.
هموم وأخبار حال المقاهي اليوم
الجلوس في المقهى وقضاء الوقت مع الأصدقاء لتبادل الأحاديث والهموم اليومية في الوظيفة والمنزل من طلبات زوجته وأولاده وشجاره مع زملائه في الوظيفة هي محاور جلسة “عابد العمر” مع رفاقه على الطاولة في المقهى أي أنها جلسة فضفضة كما وصفها لـ”سناك سوري”، مضيفاً: «كل يوم أجلس في المقهى فقد بات جزء من العادات اليومية التي أقوم بها برفقة الأصدقاء فنتحدث عن همومنا ومشاكلنا إضافة إلى كل ما يجري من أحداث في المدينة من نقص خدمات وارتفاع أسعار وأحوال السوق».
النساء غائبات
عالرغم من كثرة المقاهي وتنوعها إلا أن غياب العنصر الأنثوي واضح وقد برره “أحمد” أحد مرتادي المقاهي بأن طبيعة المجتمع ونوعية المقهى الشعبي غيبت النساء اللواتي يتواجدن فقط في الكافيتريا أو المقاهي والمطاعم العائلية وهي قليلة جدا في “دير الزور”.
من التمباك إلى المعسل فالكابتشينو
يقول “عماد” وهو معلم في أحد مقاهي حي القصور إن المقاهي في السابق كانت تقوم بتقديم الشاي والقهوة وأركيلة التمباك فقط، ومعظم زبائنها كانوا من الرجال وكبار السن ومع التطور الحاصل الذي شهدته كافة مناحي الحياة أصبحت القهوة مقصد الجميع، مضيفاً: «اليوم اختلف كل شيء فمعظم مرتادي المقاهي هم من فئة الشباب كما اختلف ما يقدم لهم فأصبحنا نقدم الكابتشينو والنسكافيه ومبيضات القهوة والميلو ومشروب الطاقة وما إلى ذلك من أسماء أفقدت المقاهي طابعها الحقيقي».
يرى “عماد” أن أسعار المقاهي الشعبية مقبولة فكاسة الشاي ٥٠ ليرة والكبيرة ١٠٠ ليرة وفنجان القهوة ١٠٠ ليرة، الكابتشينو ٢٠٠ ليرة، ونفس الأركيلة ٥٠٠ ليرة فيما تتضاعف الأسعار في الكافيتريات حيث كاسة شاي ٢٠٠ ليرة، وفنجان القهوة ٢٥٠ ليرة، الكابتشينو ٣٥٠ ليرة، والعصير ٣٠٠ ليرة، ونفس الأركيلة ٨٠٠ ليرة.
مدينة المقاهي
يصف أهالي المدينة في السابق الدير بأنها مدينة المقاهي، كما يقول الإعلامي “وائل حميدي” مضيفاً لـ”سناك سوري”: «انتشرت المقاهي كثيراً حتى راجت المقولة العامة فيها بوجود مقهى بين المقهى والمقهى، وهذا مايؤكد انتشار المقاهي الواسع في مدينة تنام على كتف الفرات فكان شاطئه مكانا مناسبا جدا لانتشارها».
كانت المقاهي بحسب “حميدي” بديلاً رائعاً لاستقبال المحبين خصوصاً بعد أن امتلأت المنازل بالأقارب النازحين خلال فترة معينة من عمر المدينة وأهلها، لافتاً أن اليوم اختلف كل شيء مع عودة الحياة إلى المدينة، فالمقاهي انحصرت في الأحياء المأهولة فقط، والتي شهدت رغم ضيق مساحتها انتشارا جيدا في مدينة اعتاد رجالها على ارتيادها، وهذا ماجعل من المقاهي مشروعا متداولا ورابحا.
اقرأ أيضاً: العيد في دير الزور… تغيرات جوهرية في الطقوس وفرحة ابتعاد شبح داعش