الرئيسيةرأي وتحليل

المئذنة البيضاء ويعرب العيسى .. من كتب هذه الرواية؟

دمشق .. الشيطان .. الجنس .. الحرب .. أي عوالم تسرقنا بها مئذنة يعرب العيسى!

يحار المرء كيف يكتب عن المئذنة البيضاء لكاتبها يعرب العيسى، ومن أن يدخل في تفاصيلها المغرقة في الواقعية والخيال معاً.

سناك سوري _ محمد العمر

يحار المرء أيضاً، أيَّ يعرب العيسى الذي كتب هذا النص، أ هو الصحفي ذي القلم البارع في وصف الألم وتحليله وحتى السخرية منه، أم هو الروائي الذي يكتب أول رواية له وكأنها الرواية رقم ألف.

في المئذنة البيضاء، يسافر القارئ في رحلة غريبة الأطوار، يدخل بها إلى دمشق من بابها الشرقي ويخرج منها عبره ثم يعود إليها، يتعرّف إلى بيروت ودبي وقبرص وغيرها ولكن من رؤية مغايرة تماماً لما اعتاده، أما دمشق فيراها قبلة للإيمان، للبداية والنهاية، يرى الشام من عمقها الكوني، من زاوية بعيدة تماماً عن مجرد مدينة، أو حتى النظر إليها كعاصمة مغرقة في القدم.

دمشق، هي المكان النهائي الذي تتجسّد فيه المئذنة البيضاء كلحظة أخيرة في هذا العالم، والمحطة النهائية لبطل الحكاية غريب الحصو أو مايك الشرقي.

اقرأ أيضاً:رواية ترى النور بعد عامين من فوزها بجائزة حنا مينة

هذا الرجل، الذي احتاجت سيرته لرواية، يتراوح بين النبي والشيطان، ولكن السحر في هذا النص أنه يجعلك تتحفّز لشيطانيته كما نبوّته، بل وتشعر بسعادة تجاه شرّه في موضعٍ ما، تسرُّ لأنه يثرى وإن بطرق إجرامية، وتتخوف انكشاف أمره وإن كان ذلك عادلاً، وهو سحر صعب المنال والتفسير، تمكنت منه هذه الرواية المعجزة والمؤلمة.

من السهل الحديث عن سوريا أو عن الأزمة الحالية، عن سنوات الدم والحرب، لدى كل سوري مئات الحكايا عمّا قاساه خلال هذه السنوات، لكن المئذنة البيضاء تتحدث عن تاريخ آخر، عن رؤية أخرى وتفاصيل لم يسبقها إليها أحد، تعود بالزمان إلى الوراء وتتقدّم معه حتى ذروة المأساة، ومن لا يعرف دمشق قد يصدّق حقيقةً أن مايك الشرقي أقام مشاريعه تلك فيها، لفرط الدقة في الوصف.

دمشق التي تحكيها الرواية، صادقة وموجعة وحقيقية ولا تتمتع بأي من ميوعة المواصفات الرومانسية الرائجة حيالها، لكنها في الوقت ذاته محبوبةً كما في قلب كل من زارها وعاشها وتحسّس حجارتها.

حتى أن الجنس في المئذنة البيضاء، يختلف عن أي وصفٍ آخر، ليس شهوانياً بل مغرقاً في ذلك دون مباشرة، له بعدٌ خفيٌّ لا يقال بالكلمات بل بالإحساس، يتعمّق في تجسيد فكرة الإنسان عن الجنس وشهيته تجاهه، ويجعل من التابو طوطماً بطريقة أو بأخرى.

تستحق المئذنة البيضاء أن تكون الرواية السورية الأهم لهذا العام، ويستحق كاتبها أن يطالَب بالمزيد، بعد أن غاب طويلاً عن الصحافة فاشتاقه قراؤه الذين لا يكتفون بمنشوراته عبر فايسبوك بل يحتاجون لرؤيته والداً لرواية أخرى تزيدهم من فيض المئذنة البيضاء.

اقرأ أيضاً:كاتب سوري يفوز بجائزة نجيب محفوظ للرواية

 

زر الذهاب إلى الأعلى