هل تعلم أن سفينة التايتنك كانت تقل ركاباً سوريين؟
سناك سوري – عمرو مجدح
كحورية البحر الأسطورية شقت سفينة التايتنك المحيط الأطلسي في طريقها إلى نيويورك في العاشر من شهر نيسان ١٩١٢ وهي التي وصفت بأنها قصر فوق الماء ونيويورك ذاتها! وبعد أربعة ليالي وعلى أنغام سمفونية الفرقة الموسيقية تحطمت أحلام الكثيرين وكتبت النهاية لأمالهم.
“التايتنك” ليست أسوأ حوادث ابتلاع البحر للسفن فكثيرة هي الليالي التي شهدت الأعاصير وغضب الطبيعة وقد عرف عالمنا العربي العديد من المآسي ولطالما انتظرت الأمهات على شطأن كل مدينة عودة أبنائهن الغائبين ولكل شعب ذكرى مع حادثة غرق أليمه وصولا إلى الهجرات غير الشرعية عن طريق عبارات الموت والقوارب بحثا عن حلم ضائع أو هربا من جحيم لكن التايتنك بقيت الأشهر لعدة أسباب منها الحملة الإعلانية الضخمة التي سبقت إبحارها ووصفها بالسفينة الأكثر بذخا وأمانا والسينما أيضا ساهمت في ترسيخها في الذاكرة العالمية فمن ينسى قصة حب “جاك وروز”.
إلا أن السينما لم تلقِ الضوء بشكل كافي على الثقافات المختلفة على متن السفينة خصوصا ركاب الدرجة الثالثة والأرخص والتي كان بينهم ما يزيد عن ١٥٠ شخص أغلبهم سوريون، وفي هذا الإطار تقول الباحثة اللبنانية “ليلى سلوم الياس” في كتابها “الحلم فالكابوس- السوريون الذين ركبوا متن التايتنك”: (لأولئك الذين يشككون بصحة استخدام كلمة ” سوري ” فإن وثائق وكالات الغوث، ولوائح الركاب الذين اشتروا البطاقات وسجلات السفينة في نيويورك تفيد بأنهم من العرق والجنسية السورية فهؤلاء المسافرون كانوا مواطني بلاد الشام بصرف النظر عن حقيقة أن الكثير من القرى التي نشأوا فيها تقع اليوم في لبنان).
بلغت الهجرة العربية إلى أمريكا ذروتها بين العاميين ١٨٨٠ و ١٩٢٠وأغلب ركاب السفينة المشؤومة اشتروا بطاقاتهم من مرسيليا أو عن طريق وكالات الخطوط البحرية تنوعت أهداف المسافرين في الرحلة وأغلبها كان لأسباب تتعلق بتحسين المعيشة.
من ضمن قصص الناجين كان “ناصيف أبي المنى” والذي روى في مقابلة مع صحيفة ” مرآة الغرب ” السورية في ٢٧ من نيسان ١٩١٢ وقد عرّف عن نفسه أنه شاب عشريني تاجر أقمشة حصل على الجنسية الأمريكية عام ١٩٠٩ ثم عاد إلى وطنه للزواج من فتاة تنتمي لبلدة قرب السويداء في سوريا وبعد عاميين وزوجته تحمل مولودهما الأول قرر العودة إلى أمريكا هذه المرة مع اثنان من أقاربه اللذان قضيا نحبهما.
وصف ناصيف السفينة بأنها نيويورك ذاتها وعن لحظة الاصطدام بالجبل الجليدي قال 🙁 تلك كانت بابل واللغات التي كان الناس يلغون بها تزيد عن كل ما عرفته من لغات في حياتي ؛ ولكن بخلاف بابل بدا كأننا نفهم بعضنا بعضا، إذ يبدو أن الله قد وهبنا حاسة سادسة تجعلنا نفهم ما ليس بقابل للفهم في تلك اللحظة.)
ويؤمن “ناصيف” أن قريبه ذو الاثني عشر ربيعا والذي غرق ليلتها عاد إلى الحياة متقمصا جسد ابنه الذي ولد في وطنه الأم ليلة تحطم السفينة.
تذكر الباحثة “ليلى سلوم الياس” عشرات الحكايا التي رواها الركاب السوريون الناجون فكانت السفينة تضم حوالي عشرين قارباً يتسع كل واحد لـ ٦٠ شخص وكانت الأولوية للنساء والأطفال ويطلق رجال الأمن الرصاص على أي رجل يحاول القفز إلى القارب وتروي إحدى الناجيات السوريات أن شاب قفز من السفينة وحط في قاع القارب وحتى لا يطلق عليه البحارة النار خبأته النساء بملابسهن وحكاية أخرى عن نساء مذعورات خشين أن ينقلب القارب فقفزن منه إلى البحر!
من الروايات التي بقيت تحكى ويتناقلها أهالي بعض الضيع والقرى اللبنانية بين الحقيقة والخيال وربما هي الصورة التي أرادوا أن يموت بها أبناء جلدتهم قائلين أن المشهد الأخير الذي تذكره الناجون عندما بدأت السفينة تغرق وصل أحدهم إلى ” المجوز” وصاح دبكة يا شباب !
وطوال المدة التي استغرقتها دراما تلك الليلة ظلت أنغام المجوز تصدح إلى أن وصل الماء إلى أكتافهم. كانوا كتفا بكتف قد أمسكوا بأيدي بعضهم بعضاً وأخذوا يضربون الأرض بأقدامهم في تناغم تام يشجع بعضهم البعض الآخر على الجلد في لحظاتهم الأخيرة رقصوا ورؤوسهم شامخة تتحدى الموت وواجهوا النهاية ثابتين.
على الرغم من مرور ١٠٧ عام على تلك المأساة ورحيل حتى الناجين منها تاركين مسرح الحياة مخلفين قصصهم وحكايا تلك الليلة الباردة التي ستبقى دائما ناقصة فهناك قصص لم تروى بعد وبطولات لم يُسلط عليها الضوء وغموض دائم يلف تلك الحادثة.