إطلاق نار احتفالاً بمنع إطلاق النار بالأعياد !!!
عندما تحتفل بالرصاص بقرار منع استخدام الرصاص !؟

في ظلّ غياب الدولة، أصدرت الأحزاب المسيطرة فعليًّا قراراً يُفضي بمنع إطلاق الرصاص في الهواء ابتهاجاً، فخرج المناصرون للأحزاب وأطلقوا الرصاص ابتهاجاً بالقرار!!، ليست هذه بطرفة من نسج خيالي، بل واقعة حقيقيّة حدثت بالفعل في “لبنان”! فمنظومة المشاعر علميّاً، تقول بأنّ من حقّ الإنسان التعبير عن مشاعره، ولكن المشكلة بالكيف! تتدخّل الثقافة الشعبيّة في ذلك، لتفرض على الناس أموراً لا أعلم من أين استقوها؟.
سناك سوري-ناجي سعيد
وفي سياق الحديث عن المشاعر، يعلم الجميع بأنّ الضحك هو وسيلة التعبير عن الفرح. وقد أنهى رسول الله النبي محمّد عن المبالغة في الضحك، فقال: “… ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب”، وقد كان المقصود من ذلك بأن كثرة الضحك قد تُصيب القلب بنوبة فيتوقّف ويموت الإنسان. فمرجع الحديث النبوي هو علميّ بحت.
وهنا تدخّلت الثقافة الشعبية لتُفسّر الحديث بالمثل الشعبي: الضحك بدون سبب من قلّة الأدب. وما قصده الحديث عند نهيه عن المُبالغة، وقد يكون حُكمًا مُسبقًا (ولكنّ يمكن تعميمه)، بأن الناس عند الإكثار من الضحك، تتحوّل إلى عادة طبيعيّة، تخوّل “الضاحك المُعتاد” بأن يُطلق العنان لضحكته لأيّ سبب ودون وجه حقّ! بمعنى آخر يكون الضحك للاستهزاء والسخرية من الآخرين. وفي ذلك خروج عن قواعد الأخلاق. وهذا ما نهى عنه الرسول.
وفي عودة للضحك في المجتمع، ومن خلال فهم الناس لأخلاق الدين، فإنّ من يضحك هو قليل الأدب، وهنا دخل العنف من بابٍ عريض بأن استُبدل التعبير عن المشاعر بأدوات فرضها المجتمع، لا بل جعلها سهلة المنال، وهي الآن بمتناول الجميع.
اقرأ أيضاً: حفل زفاف ونتيجة البكالوريا تخلفان 3 ضحايا.. بالرصاص العشوائي
وقد تمنّى “بو نمر” في مسلسل “الخربة”، بأن يملك سلاحًا مرخّصًا ليطلق النار ابتهاجاً عند عودة الدكتور عاطف بالسلامة من المهجر. خطوة التعبير عن المشاعر بالسلاح خطيرة لدرجة أنها أودت بحياة كثيرين نتيجة سقوط الرصاص الطائش المبتهج على رؤوسهم، والحقيقة بأنّ الرصاص لا يبتهج ولا يمكن أن يكون طائشًا، فالإنسان العاقل هو الذي يبتهج، ولكنّه حين لا يعرف كيف يبتهج، سيكون طائشًا بامتياز.
والمعركة الأساسيّة هي بين العقل والقلب. والإنسان المُتّزن هو من يعدل كفّة ميزانه بينهما. فلا يُطلق العنان لقلبه في مواقف تحتاج إلى عقلانيّة والعكس صحيح. أذكر بأني قرأت كتاباً للمُفكّر اللبناني حسن حمدان (الذي اغتيل لأنه شيوعي في الثمانينيات) بعنوان “هل العقل للغرب والقلب للشرق” والكتاب صغير الحجم وقليل الصفحات، يوضح بتحليل اجتماعي عن تبعيّة المجتمع الغربي للعقل الذي اُستخدم ليُنظّم حياتهم بعد الثورات الأوروبّية.
وفي الوقت عينه لازال الشرق غارقاً في تفسيرات عاطفيّة لأيديولوجيّات دينيّة ناجمة عن انتماء المفسّرين والمشرّعين للمِلل التي وُلدوا وترعرعوا في كنفها! وعن علاقة العنف بالعاطفة، كثيراً ما يسألوني عند تصريحي أمام أحدهم بإيماني باللاعنف: وماذا تفعل حين يهاجمك أحد بالسلاح وهدّدك بقتل ابنتك واغتصاب زوجتك؟ ويبتسم في نهاية سؤاله ابتسامة المنتصر! فأقول بأن اللاعنف ليس وليد اللحظة. فالعنف هو كذلك، ولكن حين يتغلّب قلبي على عقلي في لحظة الشدائد أكون عنيفًا.
ولكنّ بالطبع هناك جواب شافي، أوّلاً: يعيب السائل الفرضيّة غير المُقنعة بالنسبة لي، فلماذا الافتراض العنفي؟ فالمقولة الشائعة هنا هي التي تُشفي فضول السائل: درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. اللاعنف يبدأ بانتهاج فلسفة، وليس بسلوك دربٍ شائك، لا يمكن سلوكه بسلامة وأمان ولاعنف. فحين ينجح ابنك أو ابنتك في الشهادة الثانويّة، اختر طريقة مُميّزة تُعبّر فيها عن فرحك، ولا تختر طريقة عنيفة في الهواء الطلق لِتُسبّب الحزن لعائلة قتلت أحد أفرادها وقد يكون مُعيلها! فالرصاص العشوائي يشبه في الحديث النبوي “الإكثار من الضحك” والذي يقتل أخلاق الإنسان.. لا بل يقتل إنسانًا آخر.
اقرأ أيضاً: رصاص احتفال رأس السنة.. سوريون قضوا ليلتهم في المستشفيات