الرئيسيةشخصيات سورية

بدوي الجبل.. الشاعر الذي أغضب أم كلثوم

لماذا سمي ببدوي الجبل؟.. وكيف قضى حياته بين الغربة والسجن؟

سناك سوري – عمرو مجدح

على الرغم من مسيرة “بدوي الجبل” الحافلة كرجل سياسة ومناضل إلا أن خلوده الحقيقي كان من خلال نتاجه الأدبي وهو الذي وصفه “نزار قباني” بالسيف اليماني المعلق على صدر الأمة كما وصفه الشاعر “محمد مهدي الجواهري” بالشاعر الذي يحسب له ألف حساب بينما قال “أدونيس” :«”بدوي الجبل” آخر الشعراء الكلاسيكيين الكبار».

وصف “بدوي الجبل” عودته للشام  بعد غربته القسرية عنها قائلاً : «ضمتني الشام بعد النأي حانية / كالأم تحضن بعد الفرقة الولدا»، فالشاعر المناضل ولد في بداية قرن متقلب كان شاهداً على الانتدابات والثورات والانقلابات العسكرية المتتالية.

مقالات ذات صلة

اقرأ أيضاً:“عبد المطلب الأمين” ساهم في استقلال “سوريا” عبر “نكتة”!

اسمه الحقيقي “محمد سليمان الأحمد”  ولد عام 1903 في قرية “ديفة” بمحافظة “اللاذقية” كان والده الشيخ “سليمان الأحمد” (عضو مجمع اللغة العربية في “دمشق” وشارح ديوان المكزون) تتلمذ على يدي والده الشيخ فازدادت ثقافته، واطلع على أنواع العلم والمعرفة وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره سجله والده في مدرسة إعدادية بمدينة “اللاذقية” التي سكن فيها مع عائلة كانت موضع ثقة للأسرة.

حسب مجلة “الثقافة” تحدث “بدوي الجبل” عن المرحلة التي دخلت فيها القوات الفرنسية إلى مدينة “اللاذقية” قائلاً : «ذات يوم فوجئنا بعسكري يدخل إلى ديارنا يزور والدي وافدا من قبل “رشيد طليع” متصرف “حماة” حاملاً استدعاء ليعود بي إلى “دمشق” لإنهاء دراستي هناك للمرة الأولى حيث التحقت بمدرسة “عنبر” بدأت فيها بنظم الشعر لكن بقائي في هذه المدرسة لم يدم طويلا لأن الملك “فيصل” عيّن “رشيد طليع” وزيراً للداخلية، فيما كانت ثورة الشيخ ” صالح العلي” في بدايتها، لقد قامت إدارة وطنية بإرسال وفد حكومي إلى الشيخ “صالح العلي” حول أمور الثورة فتألف الوفد من وزير الداخلية ومن وزير الدفاع “يوسف العظمة”».

ثم أردف الشاعر “بدوي الجبل” :«ركبت القطار إلى “حماة” مع الوفد متجهين إلى المناضل الشيخ “صالح العلي” ومن بعدها أقلتنا عربة خيل كان الأمن معدوماً تقريباً والمسافر يتعرض لأبشع الظروف لاسيما عصابة “فهد شاكر” التي وقعنا في قبضة أفرادها وسلبونا كل ما نملك ثم اتجهوا نحوي قال أحدهم: أحقاً أنت ابن الشيخ “سليمان الأحمد”، قلت نعم : فصرخ أحدهم: لن يحرسكم في هذا الطريق إلى بيت الشيخ “صالح” إلا وجود هذا الفتى بينكم ثم تابع الوفد الرحلة حتى بلغ منزل الشيخ الذي ازداد ترحيبه بعد أن تعرف علي».

اقرأ أيضاً:أكبر شاعر في هذا العصر أودى به شعره إلى السجون!

لقب بدوي الجبل

كتب الأديب والشاعر الفلسطيني “أكرم زعيتر” عن لقب “بدوي الجبل” في مقدمته بديوان( بدوي الجبل) قائلا : «نظم شاعرنا “أحمد سليمان الأحمد” تلك الصلاة بالعربية (1921 ) وبعث بها إلى جريدة “ألف باء” مع تحية شعرية لروح الشهيد (القصيدة في الديوان)، وفي اليوم التالي رأى قصيدته مذيلة بتوقيع “بدوي الجبل” فسعى إلى صاحبها الأستاذ “يوسف العيسى” يسأله عن السبب، فأجابه: أن الناس يقرأون للشعراء المعروفين ولست منهم، وهذا التوقيع المستعار يحملهم على أن يقرأوا الشعر للشعر وأن يتساءلوا: من ذا يكون هذا الشاعر المجيد؟ وأنت في ديباجتك بداوة، وأنت تلبس العباءة وتعتمر العقال المقصب…. وأنت ابن الجبل».

وتابع “زعيتر” ساردا الحكاية : «توالت قصائد “بدوي الجبل” ونقلتها صحف في “بيروت” شادية بها ، والناس يتساءلون: عمن يكون؟ أهو خير الدين الزركلي ؟ أم هو خليل مردم بك؟ وهما شاعرا الشام آنئذ، إلى أن دعا صاحب الجريدة نخبة من الأدباء وأعضاء المجمع العلمي إلى احتفال قدم فيه الشاعر: ” هو ذا “بدوي الجبل” ، إنه “محمد سليمان الأحمد” وغلب اللقب على الاسم ، حتى حل محله في البيت وخارجه، ولا أزال أذكر أنه حين ذهب “القاهرة” لحضور المؤتمر البرلماني العربي 1939 لأجل فلسطين – وكنت فيها- كان يتلقى لكل اجتماع أو حفلة بطاقتين إحداهما معنونة : “سعادة بدوي بك الجبل” وثانيهما “سعادة النائب محمد سليمان الأحمد”».

اقرأ أيضاً:الشاعرة عزيزة هارون تزوجت عدة مرات ولم تنجب سوى القصائد

سجن جزيرة أرواد

سجن الفرنسيون “بدوي الجبل” في “جزيرة أرواد ” مع مجموعة الثوار الوطنيين عام 1922 كما سجن في “حماة” إبان الثورة السورية الكبرى عام 1925 وعندما لاحقت “فرنسا” الثوار 1939 فر إلى “العراق” وعمل هناك مدرساً وشارك في ثورة “رشيد الكيلاني” وعندما عاد إلى “سوريا” اعتقله الفرنسيون مجدداً عام 1942 وصادروا ديوانه الأول.

أم كلثوم وبدوي الجبل

“أم كلثوم” أثناء زيارتها دمشق عام 1956 ويظهر معها “أنور البابا” الشهير بشخصية “أم كامل”

يتداول الكثير من الأدباء حكاية زيارة سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” لصالون “بدوي الجبل” الأدبي في “دمشق” وذلك في مطلع الخمسينيات يوم دعيت “كوكب الشرق” لإحياء حفلة في “دمشق” وكان من المتعارف عشقها وشغفها بالشعر، فكانت تتذوقه وتختار منه قصائد لتغنيها، ولها تدخلات في تغير بعض كلمات أغانيها أشهرها “أنت عمري”.
كانت “أم كلثوم” قد أعجبت بقصيدة “البدوي” وعنوانها “شقراء”  واشترطت لغناءها لها أن تستبدل كلمة “شقراء” بكلمة” سمراء”،فاعتذر منها وقال:« إذا أردت أن تغنيها فلتغنيها كما هي لأني كتبتها بفضل إلهام فتاة سويسرية شقراء» ،فرفضت “أم كلثوم” ، وفي اليوم التالي حاولت إقناعه لكن دون جدوى ،فخرجت غاضبة وقررت أن لاتغني له أبداً .

بين محاولة الإغتيال والرحيل 

تقلد الشاعر عدد من المناصب السياسية فقد انتخب نائباً في مجلس النواب السوري 1937 وأعيد انتخابه عدة مرات ثم تولى عدة وزارات منها وزارة الصحة 1954، في عام 1968 تعرض لمحاولة اغتيال بطعنة في الرأس أفقدته وعيه بينما كان يمارس رياضة المشي كعادته فشلت المحاولة التي مازالت أسبابها الحقيقية مجهولة إلا أن من نتائجها ابتعاد الشاعر عن السياسة بينما لم ينقطع عطائه الأدبي الذي أثرى الساحة الثقافية.

رحل “بدوي الجبل” عن الدنيا عام 1981 عن عمر ناهز 78 عاما بعد مسيرة خاض فيها الصعاب بين الثورة والشعر واستطاع أن يسجل اسمه كواحد من مبدعي “سوريا” في تلك الحقبة الزمنية.

اقرأ أيضاً:عن حادثة وزارة المعارف بين بدوي الجبل وعمر أبو ريشة

قصيدة “خمرة الأحزان” – المنشورة في مجلة “الثقافة” 1976

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى