
سناك سوري- خالد عياش
فيما مضى حين بدأت الحداثة بالتسلل إلى حياتنا حاملة معها مفردات الاستقلالية والخصوصية والتفرد بالرأي كان أهالي إدلب مصرون على التمسك بهويتهم وتقاليدهم ففي كل قرية من قراهم كان هناك كبير يحل كل المشاكل، وفي كل عائلة من عوائلها كان هناك كبير له القرار الأخير، وفي الأعياد كان “الكبير” الرأس المدبر للرحلات والنزهات الكثيرة جداً في ذلك الوقت، قبل أن تأتي الحرب التي لم تترك كبيراً أو صغير.
يقول “محمد مراد” وهو من “أبناء إدلب”: «مهما كانت الخلافات الكبيرة بين الأقارب كنا لابد وأن نجتمع سوياً تحت سقف واحد عند جدي رحمه الله لقد كان آخر كبير عرفته، فالحرب أخدت تلك العادات جميعها، وإن صادف وجود شخصين متخاصمين في المجموعة فإنهما لن يرفضا طلب الكبير بإحلال الصلح وتبويس الذقون إيذاناً بانتهاء الخلاف تماماً».
يضيف: «حين كنا نجتمع كانت المساحة الصغيرة تتسع لأكثر من 40 شخصاً وهم عدد أفراد أسرتي الكبيرة 7 أعمام مع زوجاتهم وأولادهم بالإضافة لعماتي وأزواجهن، وبعض الأصدقاء المقربين أو الأقارب البعيدين الذين يأتون لتمضية العيد معنا في إدلب، الجميع بأبهى حلة، الأطفال يقفون في نسق واحد انتظاراً للعيدية كان مقدارها 100 ليرة وكانت كثيرة جداً نلعب بها ونشتري الحلويات وتفاصيل العيد، اليوم أعطيت ابني الصغير 500 ليرة ولم تعجبه ولكنها حيلتي ومقدرتي في هذه الظروف العصيبة».
في ذاكرة إدلب القريبة وبعد الانتهاء من زيارة الأقارب الصباحية، كان كبيرهم يتقدمهم في موكب كبير ليخرجوا ويعايدوا على الأهل والأصدقاء قبل أن يذهب كل واحد منهم في حال سبيله لتمضية يوم العيد كما يحلو له.
يستعيد “مراد” ذكرياته مع العائلة آنذاك: «موكب عائلتي لم يكن الوحيد الذي يجول القرية كنا نلتقي بالكثير من المواكب المشابهة، اليوم في “إدلب” لا وجود لمواكب من هذا النوع ولا من غيرها، لقد تغيرت العادات والطقوس بالإكراه تارةً من قبل المتحكمين بالمنطقة وبفعل الظروف الصعبة.
ابنة شقيق أحمد لن تتمكن اليوم من الذهاب إلى الملاهي لأن عمرها 10 أعوام ونصف، فقد أصدر قرارٌ يمنع زيارة اليافعات بهذا العمر من الذهاب إلى الملاهي.
يقول “مراد”: «في الماضي كانت هذه الفتاة تذهب إلى كبير العيلة لتقول له أبي لن يأخذني إلى الملاهي، فيقوم كبير العائلة باصطحابها بنفسه ويجبر والدها على الذهاب معهم من أجل اسعاد قبل هذه الطفلة، بينما اليوم هذا الكبير يضطر على الانكفاء والصمت خوفاً من أن تتم إهانته لأنه خالف القوانين التي لا يؤمن بها.
يال هذه الأيام كيف تمضي سريعاً، إنها تشبه الفرح كلاهما لا ينتظر كثيراً، حتى الأضحية لا تنتظر لقد كانت تسير إلى قدرها المحتوم تماماً كما يسير اليوم أغلب من بقي في إدلب، يضيف “مراد” كنا نذبح الأضاحي ونرسل الأطفال الصغار لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، يالعار أيامنا ومن بقي في إدلب التي تعاني الحرب دون حاجة لعينة لا يوجد من يرويها، الكل مشغول بتاراته ومكاسبه والأهالي البسطاء لا مهرب لهم إلا بالكثير من الذكريات التي تأخذهم إلى أعياد مضت كان الفرح يسكنها.
يفتقد محدثنا وجود “الكبير” ويرى أنه لو تم الحفاظ على هذا التقليد لكانت إدلب بألف خير، يختم قائلاً: «في صلاة العيد هذا الصباح دعيت في قلبي وأجزم أن الكل كانوا يدعون معي في قلوبهم أن نستعيد كبيرنا وذاكرتنا الجميلة، ليس لأننا نحب الماضي وإنما لأننا بحاجة لحمة الكبار ورجاحة عقلهم وعواطفهم تجاه الأرض وسكانها».