
لم يكن نهار أمس الجمعة عادياً في ريف حلب، حيث تحولت رحلتان ترفيهيتان إلى مأساة، بعد إعلان الدفاع المدني وفاة شابين غرقاً أحدهما في بحيرة “ميدانكي” شمالي حلب، والآخر في بحيرة “ليلوة” بالريف الشمالي الشرقي.
سناك سوري-حلب
حوادث الغرق لم تعد نادرة، وتتكرر مع كل موسم صيفي، وسط استمرار تجاهل التحذيرات من مخاطر السباحة في البحيرات والأنهار والسدود غير المخصصة للسباحة.
فرغم ما توحي به المياه الراكدة من هدوء، تخفي تحت سطحها تيارات خادعة، أعشاباً كثيفة، وحفراً عميقة قد لا تترك للغريق فرصة للنجاة، ومع غياب الرقابة، وندرة فرق الإنقاذ، تبقى النزهات العائلية عرضة لأن تنقلب إلى فاجعة.
لماذا تزداد حالات الغرق بالمياه العذبة؟
في لقاء عام 2020 مع جريدة “عنب بلدي“، قال مدير التدريب في الدفاع المدني، “حسام بدوي”، إن من أبرز أسباب حالات الغرق بين المدنيين هو جهلهم بطبيعة المناطق التي يختارون السباحة فيها، إذ غالبا ما يأتون من مناطق بعيدة، دون دراية كافية بخصائص المسطحات المائية التي يقصدونها، ما يجعلهم عرضة لمخاطر مثل التيارات المائية المفاجئة أو الأعماق غير المتوقعة أو التضاريس المختلفة للمكان.
وأضاف بدوي أن من الحوادث المتكررة، أن يحاول أحد الأشخاص إنقاذ فرد من عائلته يغرق أمامه، فينتهي الأمر بغرق الاثنين معاً، مشيراً أن بعض الغرقى يتعرضون خلال السباحة لأزمات قلبية أو نوبات شد عضلي مفاجئة، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على الطفو أو الحركة، وبالتالي الغرق.
ونوّه بدوي إلى أن المسطحات المائية عموما تعتبر خطرة على من لا يجيدون السباحة، غير أن هناك أماكن أكثر خطورة بطبيعتها، مثل بحيرة “ميدانكي” الصناعية التابعة لسد “17 نيسان” في منطقة عفرين، إضافة إلى السدود والمواقع العميقة التي تشهد تيارات مائية قوية.
كما حذر من المسطحات ذات الطبيعة الوعرة التي تحتوي على صخور أو أشجار في قاعها، إضافة إلى ارتفاع منسوب مياهها، مؤكداً أنها أكثر خطراً من السواقي والمسابح التقليدية.
الصدمة الحرارية.. خطر صامت في المياه الباردة
وفي السياق ذاته، حذّر الدكتور حسام بيازيد، أخصائي في الصحة العامة ومدرّس في جامعة غازي عنتاب، في حديث نقلته إذاعة “روزنة” عام 2020، من مخاطر السباحة في المياه الباردة، موضحاً أنّ الماء يتمتع بتوصيلية حرارية تفوق الهواء بـ30 ضعفاً، ما يجعل الغطس الفوري فيه يؤثر بشكل مباشر على درجة حرارة الجسم، بالمقارنة مع التعرّض للهواء بدرجة الحرارة نفسها.
وأضاف بيازيد أنّ الإنسان يكون أكثر تعرّياً عند دخوله الماء مقارنة بوجوده في الهواء، وبالتالي يفقد حرارته بشكل أكبر، نظراً لانكشاف مساحات واسعة من الجلد، ويستجيب الجسم لهذه البرودة عبر سحب الدم من الأطراف باتجاه الأعضاء الداخلية، وهو ما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية في الجلد، لتقليل فقدان الحرارة.
ويؤدي ذلك إلى ارتعاش الجسم (القشعريرة) كآلية لتوليد الحرارة، وتبدأ هذه الحالة عادة عندما تنخفض حرارة الجسم بدرجتين عن المعدل الطبيعي، ما يؤثر على أداء الدورة الدموية في الحفاظ على التوازن الحراري.
وأشار بيازيد إلى أن انقباض الأوعية الدموية الناتج عن البرد يؤثّر على القلب، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، وزيادة كمية الدم المتدفقة في كل نبضة، وقد تكون النتيجة ذبحة صدرية نتيجة إجهاد القلب وعدم حصوله على كميات كافية من الأوكسجين، أو اضطرابات في انتظام ضرباته.
ولا يتوقّف تأثير البرد على القلب فقط، بل يمتد أيضاً إلى الجهاز التنفسي، إذ يؤدي استنشاق الهواء البارد إلى انقباض القصبات الهوائية، ما قد يُحدث نوبات ربو لدى البعض.
ورغم أنّ هذه التأثيرات ترتبط بالبرودة، فإن مجرّد السباحة نفسها تتطلّب مجهوداً بدنياً كبيراً، ما قد يُظهر أعراضاً كامنة لدى من يعانون من مشكلات قلبية، لتبدو على شكل اختلاجات مفاجئة أو فقدان للوعي.