الرئيسيةرأي وتحليل

الحاجة الأساسيّة وإتّباع أيديولوجيات “عالعميانة” – ناجي سعيد

الفكر لكي يكون إنسانياً يجب أن يكون لا عنفياً

سناك سوري-ناجي سعيد

تعرّفتُ بمفهوم الحداثة خلال دراستي الجامعيّة في معهد الفنون الجميلة (قسم الرسم والتصوير). ولم يخطر ببالي حينها أن يتعدّى هذا المفهوم نطاق الفنون الجميلة (رسم/ مسرح/ سينما..). وما يجول في خاطري، هو السؤال التالي الذي يحمل نوعًا من الغرابة للوهلة الأولى. هل يمكن لمفهوم اللاعنف، ان تطاله فكرة الحداثة؟، وحين نقول حداثة نرمز إلى تكنولوجيا أنتجت وسائل تواصل اجتماعي!، ولا اعلم من أطلق صفة “اجتماعي” على هذه الوسائل!.

لأن تلك الوسائل تبني جدرانًا بين البشر، وتبعدهم عن مسار التواصل اللاعنفي. ففلسفة اللاعنف ليست تطبيقًا يُستعمل في جهاز خلوي أو حاسوب، بل فلسفة حياة لا تغفل تفاصيل حياتيّة، فلم يعتمد غاندي بثورته اللاعنفيّة، على تطبيق الواتساب لإنجاح ثورته. ولكن اللاعنفي يتميّز بتحلّيه بأخلاقٍ، لو حَرِصَ على تطبيقها بشكلٍ عام، لتفادى في مجتمعه تفاقم الأزمات. ومن الطبيعي أن من يمتلك تلفون محمول (موبايل) أن يُنزّل ويستعمل تطبيق “الواتساب”، أو أي تطبيق من تطبيقات التواصل الاجتماعي.

وتبقى الإشكاليّة في التفكير أخلاقيًّا ليطابق فلسفته اللاعنفيّة، إذا ما كان مؤمنًا بها. وكي لا أتّهم نفسي بالجبن وعدم المواجهة، لم أفكّر يومًا أن ألغيَ اشتراكي في أيّ تطبيق تكنولوجي، الواتساب/ الفايسبوك/ الانستغرام/ التويتر.. لكن على الأقلّ أستخدم هذه التطبيقات كما يجب. فمشكلة عامة الناس أنّها لا تقرأ أي تعليمات أو تحذيرات داخل علبة دواء، فهم يتبعون ما يقول الدكتور والصيدليّ.

اقرأ أيضاً: محوّ الأمية العاطفية – ناجي سعيد

وبعودٍ على بدء، فإنّ الحداثة هنا -بغضّ النظر في أيّ مجال- لا يمكن أن تحمل معناها، إذا ما لم تُتابع. ولكنّ من الذي يتابعها وكيف؟ سأتناول الكيف فقظ: مواكبة الحداثة تُلزم الإنسان ليحمل صفة “مُعاصر”، أن يتابع بشكل يومي أو شبه يومي مراجع متنوّعة ومصادر مُختلفة، ترسم له المشهد اليومي الذي يتبدّل وفقًا للتغييرات التكنولوجيّة. همّ الإنسان أن يرتاح، ولو كانت هذه الراحة على حساب نشاطه الفردي والاجتماعي والإنساني.

لقد كان دكتور الفلسفة في الجامعة يقول: طُولت إيدو هالإنسان! ولو تابعت كلامي عن الحداثة، لجزمت بأن الحداثة منقوصة إذا ما كانت فارغة من الفكر الإنساني. وبرأيي الشخصي فإن الفكر الإنساني، ليكون انسانيًّا يجب أن يكون لاعنفيًّا. نعم فاللاعنف ليس كما يعتقد البعض هو مواجهة غطرسة البندقيّة بغرس وردة في فوّهتها!، لا بل اللاعنف يشجّع الإنسان على استخدام عقله، فيمنعه هذا العقل من تبادل رسائل نصّية عبر تطبيق الواتساب مثلاً حيث لا تكون هذه الرسائل سوى إشاعات! فالإشاعة لا تُحدث سوى خُمولاً في التفكير العقلاني الذي يعمل على التفكير في المساوئ التي تحدث حين تُطلق الإشاعات بأنّ المواد الأوّلية الضرورّية من خبزٍ ودواء ونفط غير مٌتوفّر حاليًّا ممّا يساعد التجّار مُحتكري هذه المواد من رفع الأسعار!.

لا بل أكثر من ذلك فالإشاعة ترسم أمام السلطة الفاسدة بأن تنصاع لمخاوف الناس فتجتمع لتقرّر سعرًا جديدًا يناسب جشع التجّار أنفسهم، لا أن تتحكّم بالأسعار وفقًا لحاجات الناس المحتاجة! الحداثة أصبحت ملك السلطة الفاسدة، فمن لم يقتل بالبندقيّة روحًا بريئة، بريئة يقتل ألف مرّة بالتلاعب بأسعار الموادّ الأساسيّة (خبز، وطعام، وبنزين، ومازوت..).

لقد رفض غاندي أن يدفع كفالة ماليّة بعملة بلاده (روبيّة هنديّة) للمحتل الإنكليزي ليُفرج عنه من سجن بلاده! ونحن ننتظر تشكيل حكومة بوزير سيادي لطائفة مُعيّنة للمشاركة بدفن الشعب في مقبرة العوز! إنّه العنف الحداثي الذي يقتل الشعب بدون أن يًطلق رصاصة على رأس أحد!.

اقرأ أيضاً: هل قرأ أحدنا كتالوج هويّته قبل دخول عالم التكنولوجيا – ناجي سعيد

لقد قال المُفكّر اللبناني الذي اغتيل في الثمانينات مهدي عامل: إنها ليست حرب أهليّة لبنانيّة، بل حربًا أهليّة في لبنان! بمعنى أن الحرب التي تُخاض في لبنان تستخدم السلاح الأقوى الذي يقتل شعبًا وليس أفرادًا، والسلاح الأميركي الصنع هو الدولار. ونحنن نتباهى من يملك دولارات أكثر من الأخر؟ والطرفة التي يتداولها الناس في هذا الصدد تُلخّص فكرة غير بريئة سأقولها حيث وصلتني على تطبيق الواتساب: في مجلس عزاء، والشيخ يقرأ العزاء والحضور يجهش بالبكاء، فيدخل أحدهم على المجلس ليعلن: المحطّة الفُلانيّة تملأ الوقود!! فهرع الحاضرون يتقدّمهم الشيخ القارئ مهرولين للحصول على بضع ليترات تسمح لهم بحريّة التنقّل لقضاء حاجاتهم الأساسيّة! والخلاصة من ذلك بأن الحاجة الأساسيّة أقوى بكثير من الطقوس التي تكرّس إتّباع أيديولوجيات “عالعميانة”!.

اقرأ أيضاً: اللاعنف يبدأ من معرفة الذات القوية – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى