الرئيسيةرأي وتحليل

دعوة لمنع أدوات الرفاهية من قهوة وشاي ومتة – أيهم محمود

ودعنّا عصر الوفرة.. أزمة الطاقة ليست أزمة محلية أو مؤقتة ستزول مع الحرب

سناك سوري-أيهم محمود

بُنيت الدولة السورية الحديثة مثل الكثير من الدول التي نالت استقلالها في القرن الماضي في عصرٍ اتسم بوفرة الطاقة، لذلك بقيت ملامح هذا العصر راسخةً فيها، متغلغلةً في كل جيناتها، مازالت الدولة السورية وكل مثيلاتها في العالم بعيدةً كل البعد عن الوصول إلى نقطة توازن مستقرة مع حالة شح الموارد وشح الطاقة، سِمتا القرن الجديد القادم، لقد انقرضت كائنات حية كثيرة في تاريخ الحياة الطويل على الأرض، بعضها كان ضخماً وقوياً للغاية لكنه لم يستطع تعديل بنيته الداخلية بالسرعة المطلوبة للتكيف مع مستجدات العصر الذي عاش فيه، بينما نجحت كائنات أصغر منها بكثير في النجاة من ظروف بيئية قاسية بفضل تطويرها لآليات اقتصاد الطاقة والكفاءة في استخدامها دون التضحية باستمرار واستقرار عملياتها الحيوية.

بالغ السوريون خلال الأزمة الأخيرة في تخفيض كتلة رواتب الموظفين والعمال حتى وصلنا إلى تعطيل قطاعات إنتاج كثيرة نتيجةً لتسرب العمال والخبرات منها، أو نتيجةً لعدم إمكانية تصريف انتاجها بعد انضمام معظم السوريين إلى نادي “انعدام القوة الشرائية” وهو التعبير المهذب المستخدم مؤخراً بكثرة من أجل الهروب من استخدام التوصيف الدقيق للحالة: “الفقر المدقع”.

لم يفكر مالكو أدوات الإنتاج ومزودي الخدمات الخاصة والحكومية بتخفيض حجم كياناتهم الإدارية، وتخفيض تسرب الطاقة نحو الهياكل والعادات غير من المنتجة، وتطوير بنية منظومة عملهم لزيادة كفاءتها وقدرتها على الاستمرار خلال الأزمة الطويلة، بل الأزمة العالمية الدائمة التي سنوضحها لاحقاً في مقالنا، كان من الممكن تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة هائلة بتقنين انتقال الأفراد إلى مكان العمل والمعلومات ونقل المعلومة والعمل إلى مكان الأفراد، عبر الانتقال إلى اعتماد الخدمات الالكترونية والعمل عبر الشبكات الرقمية بدل الرهان على عودة التاريخ إلى الوراء، إلى عصر وفرة الطاقة.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع مقاومة حروب الأفيون؟ – أيهم محمود

كان علينا تطوير أنظمة الاتصالات وتأمينها للجميع، تحسين إمدادات الكهرباء وجعلها دائمة ومستقرة عبر تقييد كميات استجرارها مثلما يفعل تجار الأمبيرات ببراعة. تقييد الطاقة الكلية المستجرة في واحدة الزمن، وتقييد الطاقة الكلية المستجرة في الشهر الواحد، يكفيان لمنع استخدام الطاقة في أعمال غير منتجة مثل التدفئة والتكييف المنزلي في بلد يعاني كثيراً لتأمين المشتقات النفطية ومستلزمات توليد الطاقة الكهربائية.

كان يمكن لتعليم الكتروني فعّال، وحكومة الكترونية حقيقية مستقرة أن تغير كل المعادلة وتعيد مهجري الأرياف إلى موطنهم الطبيعي بعد عقود طويلة من التهجير القسري إلى المدن، لكن لا حياة لمن ننادي سواء على مستوى متخذي القرار في القطاع الخاص والعام، أو على مستوى الأفراد وتعلقهم المرضي بأوهام المدن في عصر الاختناقات الحرجة، الطاقة المصروفة على نقل المعلومة إلى مكان الشخص هي شيء تافه جداً مقارنةً بالطاقة اللازمة لنقل طالب المعلومة إلى مكان الحصول عليها، كأن نضطر على سبيل المثال إلى نقل طالب وثيقة رسمية عشرات الكيلومترات وأحياناً مئات منها للحصول على وثيقة رسمية بدل إنجاز عملية إلكترونية بسيطة تحقق ذات الأمر دون صرف مقدار هائل من الطاقة لا مبرر له.

دون استخدام أمثل لأنظمة الاتصالات وأنظمة الحوسبة عالية التقنية لن تستطيع المنظومات البشرية الاستمرار، المشكلة هنا ليست سياسية أو حتى اقتصادية بل مشكلة ثقافة ومشكلة وعي، لذلك لا يجب الرهان على أي تغيير سياسي أو اجتماعي إن لم يقدم المبشِرون به لنا رؤية عملية وعلمية دقيقة لمراحل تحقيق مشروعهم من أجل سوريا مختلفة وجديدة، غير ذلك هو مجرد إضاعة وقت وانحدار أكيد نحو الموت والعدم.

أزمة الطاقة التي لا يصدق الكثير من الناس وجودها في الأفق الزمني القريب هي أزمةٌ إنسانية عالمية بامتياز وليست مجرد أزمة محلية أو حالة مؤقتة ستزول مع زوال الحرب، هي أزمةٌ خطرة للغاية ستضطر المجتمعات البشرية إلى مواجهتها في العقود القريبة القادمة مع اقتراب عصر نضوب النفط، الغلبة والبقاء فيها لمن استعد مسبقاً لها، لم يعد ممكنا تشغيل عدد هائل من الآليات الزراعية والصناعية في كل مكان من العالم، لن يستطيع كوكب الأرض دعم عدد البشر الموجودين فوق سطحه، هناك تغيرات مؤلمة ومؤسفة قادمة إلى المجتمعات البشرية.

اقرأ أيضاً: نخب علمية لم تَرُدّ لمجتمعها تضحيته – أيهم محمود

ستلجأ الدول القوية إلى استغلال الدول الضعيفة وربما نشهد مؤقتاً العودة المخزية إلى أفكار الاستعباد والعبودية، لكن هذا الأمر لن يحل المشكلة بل سيعيد إنتاج الأزمة التي اختبرناها في سوريا والتي انتهت بارتفاع صوت أصحاب الأموال ومطالبتهم برفع سقف رواتب الموظفين فهم لم يعودوا قادرين على شراء أي شيء، هم أيضاً يعتمدون وبشكل طفيلي وطفولي على الدولة من أجل رفع سقف رواتب عمالها لكي تتراكم ثرواتهم أكثر دون أن يسألوا أنفسهم السؤال الأخلاقي الأول والسؤال المنطقي أيضاً:
“لماذا استمتعتم أنتم بتخفيض رواتب موظفيكم إن كنتم تدركون جيداً هذه الحقيقة؟”.

هذه الصورة المحلية الموحية والهامة ستتكرر عالمياً على نطاقٍ واسع ومؤسف إنسانياً، ربما مازالت أمامنا فرصة للخروج -كأفراد وتنظيمات اجتماعية أعلى- من أوهام وفرة الطاقة والاتجاه الجدي الصادق والفوري نحو نشر أنظمة الاتصالات وأنظمة الأتمتة والخدمات الإلكترونية ، ليس من أجل جناية الأرباح منها، بل اعتبارها أداة تنمية وضرورة حتمية يجب توفرها لبقائنا جميعاً على قيد الحياة وقيد الإنسانية.

في ظل الموارد الشحيحة، يجب تطبيق المنع التام لكل أدوات الرفاهية والمتع الزائفة، من المتة والقهوة والشاي! حتى أجهزة تكييف الهواء!.

اقرأ أيضاً: ثقافة تقبيل اليد – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى