باصات نقلت الأجداد والآباء وهي الآن تنقل الأحفاد
ميكروباصات السبعينيات تتمختر على خطوط الريف
سناك سوري – رهان حبيب
قد لا يعرفه كثر هذا اليوم لكن مشهد ميكرو باص مضى على دوران عجلاته خمسون عاماً يثير فضولنا، ففي المشهد ضحايا كثر أولهم الركاب الذين لا مفر أمامهم من ركوب هذه التحفة التاريخية، والسائق الذي لا مفر أمامه من قيادة هذه المركبة حتى الرمق الأخير.
يقول “بشار العيسمي” لـ سناك سوري: «ثلاثون عاماً أمضيتها خلف مقود ميكروباص كان مصدر رزقي الوحيد، نقلت به طلاب وموظفين وركاب كثر بين “دمشق” و”السويداء”، في ذاك الزمن كانت تعرفة الركوب عشرون ليرة، وبعد أن هرمت مركبتي انتقلت للنقل بين “السويداء” “شهبا” بتعرفة تجاوزت 100 ليرة لا تسد في المحصلة رمق الأسرة ولا تعطيني فرصة تحديث هذه المركبة التي دخلت الخدمة منذ سبعينيات القرن الماضي».
في “السويداء” يشكل أكثر من 300 ميكروباص أسطول النقل العام بين المدينة وقرى الريف لمسافة تبدأ من 5 كم إلى أكثر من 50 كم تنقل حمولتها كاملة وما يزيد عنها في أوقات الذروة تحت أنين محركات قديمة مهددة بالتوقف في أي لحظة، لتكون الخيار الوحيد أمام أصحاب الدخل المحدود جلهم طلاب وموظفين.
“صالحة ” موظفة تنتقل معظم أيام الأسبوع على ظهر هذا السابح العتيق في رحلة تستهلك قرابة أكثر من نصف ساعة لتجاوز عشرة كيلومترات من قريتها “الثعلة” إلى المدينة ولا بديل لديها عن الميكروباص تبعاً للتعرفة التي هي بالمطلق أقل من تعرفة السرفيس بالتالي فهو خيارها الوحيد في الغالب رغم قسوته ومشكلة التوقف والعطل المفاجئ والاضطرار للمشي في حال توقفت في مدخل القرية أو في المدينة وتقول: «عدد معين من الميكروات القديمة نقلتنا طلاب واليوم تقلنا موظفين ونقلت أولادنا، أستغرب أنها بقيت قادرة على التنقل، والأغرب أن الحكومات المتعاقبة لم تجد بديلاً عنها لنقل عام آمن وأكثر يسراً».
البديل الذي تحلم به “صالحة” يتلاقى مع معجزة ينتظرها “ماهر” سائق يثق بمركبته ولا يرغب بتبديلها لسببين، الأول أنه لا يملك أي مبلغ يمكنه من شراء مركبة جديدة يصل سعرها عشرة ملايين، في الوقت الذي يتضاءل سعر مركبته ليتقلص إلى 400 ألف وأقل من ذلك، ويؤكد أنه إذا توافرت الإمكانية وقدم لأصحاب هذه الميكروات المساعدة قروض أو أي نوع من الدعم يمكن تحديثها ومن وجهة نظره (أحلى من الجديد رح تكون).
في مراكز الانطلاق للقرى يتلاقى السائقون يحملون من أوجاع فقر رحلاتهم اليومية الكثير منهم من يقاول على طقم إطارات يفوق سعره مليون ليرة، وآخر يبحث عمن يقرضه كلفة تنزيل محرك وهموم تبدأ من الزيوت ولا تقف عند أسعار القطع غير المراقبة.
يضيف “بشار العيسمي”: «المركبة التي باتت بسعر الخردة تحتاج لتحديث يفوق سعرها بكثير ونقف بين خيارين إما التوقف عن العمل وخسارة لقمة العيش أو الاستدانة للإصلاح و متابعة العمل، وبالنسبة لي لا أتخلى عن قيادة الميكرو الذي رافقني ولا رغبة لي ببيعه فالسعر لا يعوض قيمته بالنسبة لي».
لم يتذكرهم القانون إلا بالضريبة..
هذا الأسطول التراثي لم يأت أي من القوانين وتعديلاتها على ذكره إلا فيما يخص الضريبية السنوية التي تعامل موديل السبعينيات مع أحدث موديلات القرن الحالي، وتركت عملية التحديث عبئاً كبيراً على صاحب المركبة مع غياب طرح البدائل التي يتحمل نتيجتها السائق والراكب معاً.
وحسب “لؤي رضوان” مدير مركز الانطلاق الشمالي فإن ضريبة الميكروباص تصل 90 ألف ليرة سنوياً وأن عدد قليل منها تم تحديثه بالكامل يعمل على طريق “دمشق” “السويداء” والباقي خصص للريف وأن السائقين تركوا فريسة لتجار قطع الغيار والزيوت وهم اليوم من أكثر الشرائح فقراً ويقول: «هؤلاء السائقين أورثوا أولادهم المهنة وظروفهم الاقتصادية الصعبة التي تراجعت مع ارتفاع أسعار قطع الغيار ومجمل متطلبات استمرار المركبات بالعمل، فإن تكرم أحد بإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق علهم ينتبهون لمن ضاعت أعمارهم على طرق الريف ذهاباً وإياباً خدمة مأجورة بالحدود الدنيا، أتلفت المركبات ولا من معين على استبدالها أو تحديثها أو حتى إيجاد بدائل آمنة وحديثة».
أخيرا كالعادة لا أرقام دقيقة لحوادث هذه المركبات التي وصفها البعض بالقليلة ففي التعبير العام الضحية من فقد الحياة، لكن على الأرض ضحايا كثر يتنفسون ويعملون ويدفعون عجلة اليوم على نبض أرواحهم القريبة جداً من الموت.
اقرأ أيضاً:موسم لعبة القط والفأر بدأ في اللاذقية.. هل يكون الأخير؟