“لم يبقَ شباب ليرثوا المهنة”.. حرفيو الحدادة بحمص يصارعون للبقاء
غسان المرعي وشقيقه ورثا الحدادة عن أبيهما ويعملان بها منذ 40 عاماً
منذُ خطواتك الأولى بالسوق المسقوف في حمص القديمة، تشعر بأنكَ أصبحت في زمن مختلف. القناطر المقوّسة والجدران الحجرية وسبيل الماء، مشاهد هاربة من الماضي إلى زمن الحداثة. محلات العطارين والخيطان والألبسة الشعبية. بضعة أمتار فقط لتصل إلى واحدٍ من أقدمِ محال الحدادة في مدينة حمص.
سناك سوري _ حلا منصور
بابتسامةٍ ودودة يستقبلك “غسان المرعي” (63 عاماً) مع شقيقه “حسني المرعي” (73 عاماً)، الشقيقان ورثا حب المهنة عن والدهما مذ كانا يافعَين.
يقفُ “غسان” بجانب شقيقه منذ التاسعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، في ورشتهما التي لا تتجاوزُ مساحتها عدّة أمتار، لكنّها بالنسبة لهما تُشكّل العالم كلّه. يتعاون الشقيقان على قساوة العمل منذُ خمسين عاماً. يقول “غسان” لسناك سوري: «من خمسين سنة وأنا بشتغل بهالمصلحة، تعلّمتها من أبي بالنظر، وصرنا نشتغل أنا وأخي». يُكمل الرجل السبعيني مُتحسراً: «قبل الحرب، الشغل كان فيه بركة وعنا زباين كتير ومبسوطين الحمدلله».
أرخت الحرب بظلالها الثقيلة على معظم المهن اليدوية السورية، ولم تكن مهنة الحدادة في حمص وغيرها استثناءً حيث اضطر الرجل الستيني مع أخيه إلى إقفال الورشة، والتوقف عن المهنة التي أمضوا عمرهما فيها، والسفر إلى خارج البلاد.
مع اندلاع المعارك في المدينة، سافر غسان المرعي (أبو بشار) مع أولاده عام 2013 قاصدين السعودية. إلّا أنّه لم يستطع العمل هناك «أولادي ما رضيوا اشتغل بورشة عند عالم، نحنا كل عمرنا معلمين وصعبة بعد هالعمر نشتغل عند حدا».
بعد انتهاء الحرب، ومع بدء تلمس عودة الحياة للمدينة، عاد غسان إلى البلاد، ليعاودَ الشقيقان فتحَ ورشتهما عام 2018، إلّا أن الحال اختلف كثيراً. يصفُ غسان المرعي حال المهنة مُتحسراً بأنها على وشك الانقراض، فالورشات المتبقيّة حتى الآن قليلة جداً ولا تتجاوز الأربع ورشات. و«الشباب كلهن سافروا» في إشارة إلى أنّ أحداً لم يتعلمها ليكمل مسيرة الرجلان. مُضيفاً بأنّ عملهما الآن محدود فبنيتهما الجسدية لم تعد قويّة كما السابق لتساعدهما على تحمّل صعوبات المهنة. وانقطاع الكهرباء يُقيّد عملها بساعات محددة.
يتعاونُ الشقيقان على تسخين الفولاذ في فرن الصهر، ومن ثمّ طرقه ليُعاد تشكيله على هيئة أدوات زراعية كـ”المنكوش”و”الفرّاعة” و”الناجوفة”. ورغم تطوّر المهنة وأدواتها اليوم، وقلّة عدد الزبائن، لا يريدُ أهلها أن تُغلق رغم تبدّل الظروف يقول أبو بشار في حديثه «هي مصلحتنا، منعيش ومناكل منها طول ما نحنا طيبين بدنا نضل عم نشتغل فيها». لتبقى هذه المهنة جزءاً مهمّاً من الذاكرة الشعبية.