إسوارة علي.. حين تؤمِن الأم باختلاف طفلها فتساعده على التميز
باليوم العالمي للتوحد.. تعرفوا على قصة علي ووالدته الملهمة
قبل عدة أعوام وضع القدر ‘‘إيمان’’ لتلعب دور الأم والأب والرفيقة الدائمة لطفلها ‘‘علي’’ الذي أصيب بأحد أطياف مرض ‘‘التوحد’’. منذ كان عمره 4 سنوات أثناء إقامتها في بلاد الاغتراب، إنَّما بإرادتها، وتصميمها، على تكريس سنوات حياتها الماضية، من أجل مساعدة طفلها، نجحت بتحويل اختلافه، لتجعل منه إنساناً فاعلاً في المجتمع ولتحقيق الحلم الذي ترسمه لحياته.
سناك سوري-حسان إبراهيم
بقيت فرحة “إيمان” ناقصة خصوصاً يوم عيد الأم، حيث تحلم كل والدة بأن يعايدها طفلها، إلا أن “علي” لا يستطيع ذلك. كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”، إنها تأقلمت ومع ذلك يبقى الموضوع مؤلماً بالنسبة لها.
الأم ليست من تنجب ولا من تربي، فبحسب “إيمان”، الأم هي من تصنع من أولادها أشخاصاً متميزين وفاعلين في المجتمع وهذه كانت رسالتها مع طفلها “علي”.
تركت “إيمان” حياة الرفاهية في بلاد الاغتراب حيث كانت تعيش. وعادت من فنزويلا إلى “سوريا” بأوج الحرب عام 2016، لتوفير بيئة مناسبة لعلاج طفلها. وفق نصيحة الطبيب، الذي أخبرها أن البيئة الحاضنة تلعب دوراً كبيراً في مساعدة أطفال التوحد.
لم تفكر “إيمان” حتى للحظة، ورفضت إجراء أي مقارنات بين البلدين رغم وجود الحرب في بلدها ورغبة الجميع بالهجرة. حيث عادت وهي حامل بطفلها الثالث. ما جعل المسؤولية مضاعفة لكونها والدة لثلاثة أطفال بغياب الزوج وحاجة طفلها “علي” لرعاية خاصة.
اقرأ أيضاً: ميسم الحصرية أخصائية تطوعت لعلاج 32 طفل مصاب بالتوحد
مرحلة قاسية
تتحدث السيدة ‘‘إيمان’’ عن تلك المرحلة الصعبة بقولها: «كانت مرحلة قاسية استمرت نحو 24 شهراً أدركتُ فيها بأن مستقبل طفلي الآمن. يحتاج لتضحية كبرى من أجل الوصول معه إلى برِّ الأمان مستقبلاً من خلال جعله إنساناً، قادراً للاعتماد على نفسه».
رافقت “إيمان” طفلها خلال جلسات العلاج، وأسعدها أن الأطباء رأوا فيه طفلاً بإمكانات متميزة ما زاد في إصرارها لمضاعفة الرعاية لعليّ. ليثمر الأمر لاحقاً ويلتحق طفلها بالمدرسة ويندمج مع باقي الأطفال وحتى تحقيق التفوق الدراسي، في رحلة قاسية لم تكن سهلة أبداً. حيث كانت تعتمد على الألعاب لإيصال المعلومة الدراسية لطفلها الصغير.
مشروع صغير
كفاح ‘‘إيمان’’ لم يقف عند تقدم كلِ ما ذكرته، بل سعت جاهدةً لتطلق مشروع طفلها الخاص والذي أسمته ‘‘إسوارة علي’’ الذي جعل منه طفلاً منتجاً. وصاحب دورٍ فاعلٍ للمحيط.
وعن المشروع قالت: «قبل نحو عامٍ بدأت مع صديقة لي، بتصنيع قطع الاكسسوار وبحكم تواجد ‘‘علي’’ بقربي ومشاهدته لما أنجزه. اكتشفتُ فيه موهبة إبداع تصاميم جديدة وخاصَّة بأنَّ لديه شغفاً بالرسم كنت أشجعه عليه. رويداً رويداً، بدأت أعمال ‘‘علي’’ تأخذ شكلاً احترافياً. وأصبح مشروع ‘‘إسوارة علي’’ حقيقةً واقعة بمساعدة بعض الأصدقاء الذين آمنوا بالمشروع وقدَّموا الدعم اللازم للترويج له».
سعادة “إيمان” اليوم لا توصف وهي ترى طفلها ذو الـ12 عاماً، وقد أصبح إنساناً فاعلاً في مجتمعه ويساهم من خلال ريع مشروعه. بتكاليف علاج أطفال توحد آخرين ودون دراية منه ولا حتى من أهالي الأطفال الذين يتم التبرع لعلاجهم.
‘‘إسوارة علي’’ مشروع مستمر وأصبح له ‘‘لوغو’’ خاص به يحمل اسم طفل “إيمان”. تقول وتضيف: »هذا أمر يعني لي الكثير ولطفلي أيضاً، وهو حصاد سنين من الجهد والصبر والإيمان بالقدرات التي كان يمتلكها والتي تحولَّت إلى فعل مميز».
وإلى جانب كل المسؤوليات التي حملتها الأم، قامت بإكمال دراستها الجامعية باختصاص رياض الأطفال، على الرغم من تجاوزها سن الـ40 عاماً، وهي اليوم تشرف على إدارة أحد المراكز الخاصة بالتعليم المبكِّر الخاص بالأطفال في مدينة ‘‘طرطوس’’. مستفيدة من تجربتها الخاصة مع طفلها ‘‘علي’’ ورغبةً منها بتطوير قدراتها وتحقيق ذاتها.
ما قدَّمته السيدة ‘‘إيمان’’ وما زالت خلال السنوات الماضية يعطينا صورة مثالية ومشرقة عن الدور الذي تلعبه الأمُّ في حياة عائلتها.