الرئيسيةرأي وتحليل

حق الحيوان بالعيش المحترم – ناجي سعيد

لم أعلم يوما بأن الرفق بالحيوان هو مفهوم تربوي، إلاّ بعد أن تزوّجت وأنجبت ابنة واحدة، فقد شعرت أنّها يجب أن تختبر نوعًا من العلاقات يُكسبها قِيماً لا تعطيها المدرسة مهما ارتفع قسطها، لذلك أحضرت لها حيواناً إلى المنزل “قطة”!، فالتعاطف قيمة تُعاش مع مختلف المخلوقات. ومن غير المُستغرب أن من يضرب بالحجارة كلبًا في الشارع، سيشمت بموت أحد خصومه السياسيين.

سناك سوري-ناجي سعيد

حيث أن موضع قيمة التعاطف داخل النفس الإنسانيّة، والقيم الإنسانيّة هي منظومة خير كاملة، فلا يمكن أن يحمل الشخص جزءا من قيمة ويستعملها عند الحاجة. فلو كنت لاعنفيًّا، سأكون ذلك بناءً على قناعة داخليّة تامّة، وأعيش هذا اللاعنف مع المخلوقات كافّةً.

فلا أكون لاعنفي مع عائلتي وعنيفًا مع الآخرين! وكان قد حرص والديّ على اقتناء قطّة في المنزل، وعلى الأرجح، لكسر الخوف من القطط الذي رافقني وأخوتي حين كنّا صغارا. ولكن بعد ذلك اعتدنا أن يكون هناك قطّة في المنزل، وكان أبي يبتدع أسماء غريبة لها وكنّا نألفها مع أسمها الغريب.

وأذكر تمامًا كيف بكى أخي الصغير حين دهست سيارةٌ قدمَ قطّتنا “سنغور”، ولكنّها تعافت لاحقاً. وقد اعتاد المراهقون الذكور رمي الحجارة على أي كلبٍ يصادفونه في الشارع، أو حتى أن يُطلقوا النار عليه، وكُلّ ذلك من باب التسلية والترفيه عن النفس.

والكارثة التي حدثت من فترة بأن بلدية أحد الأحياء تخلّصت من أصوات نباح بعض الكلاب بأن أطلقت النار عليهم وأردتهم، بحجّة أنّها كلاب مسعورة، وقد أثبتت إحدى جمعيات الرفق بالحيوان عدم صحّة ذلك. وما يُصعّب إيجاد الحلّ ومواجهة مشكلة التعاطي بالرفق مع الحيوانات، هو ثقافة شعبية عامّة استخدمت أسماء الحيوانات الأليفة للإهانة.

فصفة القوّة للثور وليس للأسد ملك الغابة! كمان أن القدماء كانوا ينعتون الإنسان الصبور بأنّه كالحمار، وليس كما الآن كالجمل. نعم فالموضوع له علاقة بالتربية منذ الصِغَر. فمن الطبيعي أن يبقى الطفل، حتى لو كان متفوّقًا في الدراسة، خائفاً من صوت الكلب فلا يجد أمامه سوى حذاء والده (جوهر بو مالحة) فيؤخّره عن “التدشين وحجر الأساس”! والمشكلة بتربية هذا الطفل، لا تُحلّ إلاّ إذا اقتنى جوهر كلباً في بيته، واعتنى بتربيته ليكون الكلب كما هي طبيعته أليفًا.

ولو تناولنا الموضوع من منظور ديني، فالأديان تدعو إلى الرفق بالحيوان بالتأكيد، وأذكر بأني قرأت في أحد الكتب، حادثة عن سلوك رسول الله بأن هرّةً كانت تُرضع صغارها، وكانت نائمة على طرف عباءته، فما كان منه إلّا أن قصّ طرف العباءة حين أراد المغادرة، كي لا يُقلق راحة الهرّة الوديعة. وبالطبع فإن سلوك نبيّ من الأنبياء لا يعكس مزاج شخصي، بل من المؤكّد أن سلوكه تعليمي حرصاً على أهميّة رسالته.

اقرأ أيضاً: بسبوس عاشق بسة… تفاهة العمق وعمق التفاهة – ناجي سعيد

وبالمقابل، لا أعلم ما هو مصدر (والدتي وحماتي) حين تؤكّدان لي بأن الكلب “نِجس”!! وتقول مُخيّلتي (الواقعيّة) أن من أطلق هذه الفكرة، أحد الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري، فبعد أن يتوضّأ، يخشى أن يلمس شيئا كي لا يفسد وضوءه، ممّا يضطرّه لتكبّد عناء الوضوء من جديد. لقد خُلقت الحيوانات لتكون عنصر أساس مُكمّل للبناء البيئي. وهذا ما يُدرّس للطلاب فابن جوهر بومالحة ما زال في مرحلة تعليمية وصفّ لم يأخذ الدرس الذي يشرح أهمّية كل مخلوق كعنصر فعّال في دورة الحياة.

مهما اختلف البشر بمعتقداتهم على أسباب الخلق، وماهيّة الخالق، فمن المنطق الإجماع على فلسفة اللاعنف التي تُشرّع الحق لأي مخلوق في الوجود المُحترَم، فأنا موجود لأنّك أنت موجود لأنّنا كُلّنا موجودون.. هذه فلسفة إحدى القبائل الأفريقيّة على ما اعتقد (أوبنتو)، ونستقي منها فكرة التكامل الذي لا يكون باستثناء أي من المخلوقات. وأود أن أذكر أن حماتي الآن أصبحت تألف “نالا” القطّة التي تربّيها ابنتي، وتهتم ب “روبي” الكلب التي تربّيه ابنتها منال، فيكون تعاطفًا على مضض.
وإذا كان الإنسان محروم من حقه بالعيش المحترم بسبب حكوماته فعليه ألا يمارس عنفه على الحيوان ويحرمه أيضاً من العيش المحترم.

اقرأ أيضا: العنف المعنوي يبدأ بالجهل التربوي – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى