
سناك سوري – دمشق
كانت ذلك الكروان القادم من بلاد الشام ليغرد أجمل الألحان على أرض الكنانة، الصوت الذي انتزع من كبرياء سيدة الغناء الشرقي “أم كلثوم” اعتراف أن “فايزة أحمد” أكثر مغنية تطربها، لتبقى أغنياتها تتربع القلوب رغم مرور عقود على رحيلها المبكر.
ولدت “فايزة أحمد” لأب سوري في مدينة “صيدا” اللبنانية، لتنتقل وهي في عمر الـ10 سنوات مع والدها إلى العاصمة السورية “دمشق”، ثم ما لبثت أن عرفت الشتات والشقاء مبكراً بعد طلاق والديها وزواج أمها مرة ثانية وهو ما ترك أثراً على حياتها الشخصية فيما بعد.
في العاشرة من عمرها بدأت “فايزة أحمد” مشوارها الفني كهاوية، من خلال الغناء في الأفراح الشعبية لمساعدة والدتها على مصاريف المعيشة، واعتمدت بعدها بسنوات قليلة في الإذاعة اللبنانية وشهد ذلك الوقت زواجها الأول من السوري “عمر نعامي”.
اقرأ أيضاً: سوريا تودع قاموس العتابا بسام البيطار… عاش ومات مظلوماً
تحكي ابنتهما “فريال نعامي” عن تلك المرحلة في حوار لموقع سيدتي قائلة:« أبي سوري جاء من “حلب” إلى لبنان وكانت أمي عمرها في ذلك الوقت ثلاثة عشر عاماً، وتعرف عليها كمطربة هاوية لدى رئيس الإذاعة اللبنانية محيي الدين سلام الذي قدمها إلى أبي، وقال له “هذه البنت الصغيرة موهوبة شوف يطلع منها إيه”، وكان أبي في ذلك الوقت يدرب الهواة على الغناء في الإذاعة، والوقوف على المسرح ويملك أوتيل “هيلتون” إلى جانب أنه فنان يكتب كلمات الأغاني ويمثل مسرحيات ويؤدي منولوجات، تزوج أبي من أمي وأخذها إلى “حلب”، وبدأت تجتاز امتحانات عديدة للغناء، ونجحت في “سوريا” ثم أنجبتني ولم يستمر الزواج أكثر من عامين فقط؛ لأن جدتي لأمي اكتشفت أن أبي متزوج قبل أمي وله من الأبناء توأمان وكان ذلك سبباً للانفصال».

لم تنجح مغنية ” يمه القمر عالباب” في اجتياز اختبار القبول بإذاعة “دمشق”، فلجأت بذكاء ونصائح زوجها إلى إذاعة “حلب” والتي كانت بوابة الحظ. تحكي مغنية “رسالة من امراة” في حوار نهاية الستينات مع الإذاعي “وجدي الحكيم” عن اعتمادها كمطربة في “سوريا” قائلة: «عندما تقدمت للاختبار في الإذاعة السورية تم رفضي، بحجة أن صوتي ضعيف، وبعد ذلك اتجهت إلى إذاعة “حلب” عندما نجحت هناك طلبتني الإذاعة السورية وتعاقدت معها، وأصبحت أقدم وصلات غنائية أربع مرات شهرياً على الهواء مباشرة».
لم تنجح مغنية ” يمه القمر عالباب” في اجتياز اختبار القبول بإذاعة “دمشق”، بحجة أن صوتها ضعيف
من أشهر أغانيها السورية في تلك المرحلة أغنية “ليش دخلك”، و”درب الهوى” من ألحان الموسيقي السوري “محمد محسن” كما كشفت “فريال نعامي” أن هناك دويتو غنائي جمع والدتها “فايزة أحمد” بالمطربة “فيروز” بالخمسينات من ألحان “حليم الرومي”.
في عام 1956 فتحت “مصر” ذراعيها لصاحبة الصوت الشجي من خلال عرض للغناء في أحد أكبر ملاهي “القاهرة” الأمر الذي أتاح لصوتها الإنتشار فتسابق مبدعو وملحنو أرض الكنانة، لصياغة ألحان تعانق صوت الكروان من أبرز الأغنيات التي ولدت في تلك المرحلة ولفتت الأنظار إلى ذلك الصوت القادم من بلاد الشام كانت أغنية “أنا قلبي إليك ميّال” من ألحان “محمد الموجي” وتلته تعاونات مع “زكريا أحمد”، والموسيقار “محمد عبدالوهاب”، الذي قدمت معه أشهر أغنياتها “ست الحبايب” ، “بريئة” ، “خاف الله” ، “يا غالي عليّ”، “تهجرني بحكاية”، “تراهني”، “حمال الأسية”، “وهان الود”.
تزوجت “فايزة أحمد” عدة مرات منها زواجها من “عمر نعامي” والضابط السوري “مختار العابد” وعازف الكمان “عبد الفتاح خيري” إلا أن زواجها الأبرز والذي شكل حالة فنية خاصة كان من الموسيقار “محمد سلطان” الذي قابلته لأول مرة في منزل “فريد الأطرش” ورغم فارق العمر دام زواجهما 17 عاماً رزقا فيها بتوأمهما “طارق وعمرو”.

لم تأخذ “فايزة أحمد” نصيبها من النجاح كما يجب أو كما كان متوقعاً لها فواجهتها العديد من العقبات والتهميش، بعد كل نجاح وكانت تشعر دائماً أن هناك عزوف من الملحنيين عنها وأن هناك تكتل ما ضدها بهدف “قتل صوتها”، حسب تعبيرها ويعزو بعض النقاد ذلك لطبيعة شخصيتها العصبية ،وظهر خلافها مع كبار الملحنين للعلن من خلال حلقة من برنامج “نجوم على الأرض” عام 1966 الذي كانت تقدمه المذيعة المصرية “ليلى رستم”، هاجمت من خلاله “فايزة أحمد” الموسيقار “محمد عبد الوهاب” واتهمته أنه لا يهتم بها، ولا يقدم لها الأعمال التي يمكن أن تنجح، مؤكدة أنها من تقوم بمجهود لنجاح الأغنية وأن “عبد الوهاب” دائما يختار لها الأغنيات “الصعبة” غير القريبة من الناس، مضيفة: «لا أعلم اذا كان ذلك ثقة في صوتي»، كما أشارت أن ابتعاده عنها بفعل “الدواسيس”.
اقرأ أيضاً: ميادة بسيليس رحلت دون أن تسمع وصيتها الأخيرة
كما طال هجومها “محمد الموجي” مؤكدة أن بعض الفنانين كانوا يتعمدون إشغاله بأعمال كثيرة، حتى لا يستطيع أن يلحن لها، و هاجمت الموسيقار “بليغ حمدي” الذي أكدت أنها قدمته في بداية حياته الفنية، وبعد ذلك تهرب منها.
في بداية الثمانينات كانت معاناة “فايزة أحمد” مع مرض السرطان الذي بدأ يهاجم جسدها، وتكشف ابنتها “فريال نعامي” أنها بعد زواجها أخذت والدتها إلى أميركا، وهناك أخبروها بأنها تعاني من سرطان الثدي في المرحلة الأخيرة الإ أن الابنة قررت ألا تخبر أمها على الرغم من أنها كانت تشعر بأن النهاية قد اقتربت.
تضيف: «كان هناك إحساس يسيطر عليها بأنها ستموت مبكرة، وفوجئت أنها تقول لي “أريد أن أموت في مصر”، وعندما عادت اتصل بها بعض المعجبين ليطمئنوا عليها وأخبروها بدون قصد منهم كانوا يدعون لها بالشفاء من السرطان فكانت صدمة أن تعرف أنها مريضة به، وكانت تظن أنها آلام مؤقتة وستشفى، وبدأت جلسات العلاج الكيماوي وأصرت على أن تسجل أغنيتها الأخيرة “لا يا روح قلبي أنا” وهي مريضة قبل أن يؤثر المرض على صوتها.
رحلت صاحبة أشهر أغنية للأمهات يوم الأربعاء 21 أيلول عام 1983 عن عمر ناهز ال 49 عاما بعد معاناة من سرطان الثدي. قدمت خلال مسيرتها حوالي 320 أغنية للإذاعة و80 للتلفزيون، واشتركت في 7 أفلام سينمائية.
اقرأ أيضاً: “تعب المشوار” فغادر “فؤاد غازي” صامتاً!
https://youtu.be/OxwY1tslm5k