رحلة حياة زيت الزيتون السوري.. كيف كنا وأين وصلنا؟
سناك سوري- نورس علي- رهان حبيب – لينا ديوب
قبل سنوات وبزمن الوفرة كنا نشاهد في الساحل السوري عائلات تمنح المتسولين كميات من مؤونتهم من زيت الزيتون عوضاً عن النقود، وآخرون يعملون بقطاف الزيتون مقابل الزيت، في حين كان هناك الكثيرون ممن يشترون بعضاً من حاجياتهم الخاصة بالمقايضة بزيت الزيتون، لكننا اليوم وفي ظل الغلاء وارتفاع سعر الزيت وصلنا لمرحلة شرائه بالكيلو، وحتى بالغرامات.
في “طرطوس” التي تشتهر بإنتاج كبير من الزيت كل عام، يحرص البعض على زيارة منازل القرى التي تكثر فيها أشجار الزيتون بالتزامن مع موسم جنيه، للحصول على بعض الزيت مجاناً، ومنهم “سهيلة.ع” من ريف المحافظة، التي تحمل كل موسم وعاء خاصاً، تجول به على المنازل لجمع بعض الزيت لعائلتها كونها لا تمتلك موسماً.
المهمة صعبة حسب “سهيلة” التي تمتلك عائلة مؤلفة من 5 أطفال، مسؤولة عن إعالتهم بعد وفاة زوجها، كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”: «رغم صعوبة البحث عن الزيت بين مؤن الناس البسيطة وعدم قبول كثر منهم بمنحي ولو كأساً واحداً، وبالرغم من تقدمي بالسن مازلت مضطرة للسؤال فالزيت اليوم أصبح غالي الثمن وقد وصل سعر التنكة الواحدة إلى 150 ألف ليرة سورية، لكن هناك الكثيرين ممن يرفضون إعطائي الزيت ومنهم من يقول، مصاري تكرم عينك بس لاتطلبي زيت».
اقرأ أيضاً: سوريا.. الحرائق سترفع أسعار زيت الزيتون والحمضيات
“محمود إبراهيم” /65/ عام موظف متقاعد، يشرف كل عام على مرحلة عصر الزيتون في معصرة قرية “الزوبة” في “بانياس”، ويحمل في جيبه ما يكفي من النقود لدفع أجور العمال والمعصرة، علماً أن صاحب المعصرة يرغب دوماً بمقايضة العمل بالزيت، وهو أمر لا يقبل به “إبراهيم”، ويرى أن دفع المال أهون عليه من عملية المقايضة في ظل قلة المواسم وارتفاع سعر الزيت.
المعمرة “أميرة محمد” ترفض فكرة المقايضة بالزيت في معاصر الزيتون، ولكنها تقوم بالتصدق بما يمليه عليها ضميرها سنوياً من مؤونها من الزيت، للمتسولين الذين يأتون كل عام بحثاً عنه، وتعبر هذا العمل بمثابة زكاة أموال عن ما رزقها الله به.
في قرية “النقيب” القريبة من “طرطوس” وحتى سنة 2000، كانت تأتي في موسم قطاف الزيتون أسر بكاملها من محافظات أخرى للعمل في قطاف الزيتون في موسمه بين شهري أيلول وتشرين الأول، حسب ماتوضحه “يونا يونس” من أهالي القرية في حديثها مع سناك سوري مشيرة إلى أنهم كانوا يؤمنون لهم مكاناً للإقامة والنوم طيلة الموسم «يقطفون الزيتون معنا، ولا يشترطون المال وإنما الزيت والزيتون»، لكن الوضع اختلف كثيراً لاحقاً ولم يعد بالإمكان منح العامل زيتاً وزيتوناً عوضا عن النقود.
اقرأ أيضاً: موسم الزيتون “جيد” وأجرة العامل 7000 باليوم!
لا تقسيط لثمن الزيت في السويداء
في “السويداء” حيث الحقول الواسعة من أشجار الزيتون لم تجد “ابتهال ج”، موظفة أحداً يبيعها مؤونتها السنوية من زيت الزيتون بالتقسيط على الرغم من أنها بحثت طويلاً عند أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة وتجار الزيت، وتتذكر في حديثها مع سناك سوري قبل ثلاث سنوات مضت عندما زار زوجها المعصرة واشترى بالتقسيط ثلاث تنكات دفع من ثمنها 15 ألف ليرة وقسط الباقي على ستة أشهر، مضيفة أنهم كانوا يتعاملون مع صاحب بستان ثقة لكنهم العام الماضي اشتروا تنكة واحدة بـ 125 ألف وأخبرهم صاحب البستان أن لديه التزامات كثيرة ولا قدرة لديه على التقسيط، وأمضوا أيامهم بالتقشف والاقتصاد باستخدام زيت الزيتون في طعامهم.
“ابتهال” ومثلها الكثير من أبناء المحافظة اعتادوا التمون كل عام بعدد من تنكات الزيت، حسب ماهو متعارف بالمقياس الشعبي والتنكة 16 كيلو زيت، وذلك من المزراب أي من المعصرة مباشرة لتكون تازة وغير مغشوشة، لكن هذا كان يحدث عندما كان سعر التنكة 16 ألف قبل عشر سنوات والذي ارتفع تدريجياً إلى 25 ألف ثم 35 ألف وبعدها 75 ألف ومنها إلى 125 العام الفائت و175 حالياً.
طريقة بيع الزيت بالمفرق ظهرت العام الماضي بعد أن عجز أصحاب المشاريع عن التسويق فالموظف لم يتمكن من الشراء كاش وصاحب البستان لم يبع بالتقسيط فعليه التزامات كبيرة وفق “نضال” من “القريا”، ويضيف: «قررنا تجزئة التنكة وبتنا نبيع بالكيلو لنسوق إنتاج الكرم الذي لم يسوق ربعه، منذ شهرين بعنا الكيلو بـ٩ آلاف ليرة، اليوم ومع غلاء التتكة نبيع الكيلو بـ١١ ألف لتجد من يشتري كيلو او اثنين أو أكثر وفق القدرة المالية للشخص».
في اللاذقية بيدون الزيت بـ200 ألف ليرة
خسر عدد كبير من العائلات مواسم زيتونهم العام الفائت بسبب الحرائق، ما رفع ثمن بيدون الزيت 20 ليتراً إلى 200 ألف ليرة سورية حالياً، وسط نقص المادة لدى الغالبية، كما تقول “سلمى” مضيفة لـ”سناك سوري”: «أشتري الزيت حاليا من السوبر ماركت بالليتر بسعر 12 ألف ليرة سورية، وأقوم بتقنينه بشكل كبير لأن لا قدرة لدي لشراء بيدون كامل فمن أين لي بـ200 ألف ليرة وهي مجموع رواتبي أنا وزوجي لشهرين».
المشكلة كما تقول “سلمى”، أن نقص الزيت تزامن مع بدء موسم أكلات الصيف التي تطهى به، مثل اللوبيا والفاصوليا وغيرها، وهو ما حرمهم هذه الأكلات على بساطتها، تضيف: «الواحد مابقا يعرف شو ياكل، حتى الزيت والزعتر صار متل الحلم».
لم يعد مثل “ناس بسمنة وناس بزيت” صحيحاً في الوقت الراهن، فالزيت بات أغلى من السمنة، وهو يستعد لمغادرة موائد السوريين شأنه شأن عديد الاحتياجات الأساسية الأخرى، في ظل تفاقهم تدهور الوضع المعيشي في البلاد.
اقرأ أيضاً: “سوريا”.. لجنة لجباية زكاة زيت الزيتون (زيتون التخليل ضايعة حسناتو)