الهويات لا تقتل – ناجي سعيد
هل تدركون ماذا قد يكون بداخل “الولد العاق” من أفكار تفيد الوطن؟
سناك سوري-ناجي سعيد
لم أستغرب من صديقي الموسيقيّ، المثل الذي أعطاه في أحد اجتماعات المدرّسين، حيث كنّا نعمل في معهد تدريب مهني، والمثل يفيد بالطريقة التي يُفهم فيها اللاعنف!، نعم وبغضّ النظر عن موضوع اجتماع الهيئة التعليميّة (تقويم سلوك الطالبات)، قال صديقي: “السكّين لها وجها استعمال، يمكننا الطعن وأذى الأخرين، كما يمكننا قطع التفاح مثلاً، وأكلها والحصول على غذاء مفيد.
ومجدّدًا أقول بأن العقل سيّد الموقف، وللدقّة أكثر: التوازن بين العقل والعاطفة. فالسكّين المذكورة بالمثال، تنتمي إلى فئة الأشياء غير العاقلة، لذا، فالعاقل يتحدّث عن أجزاء هويّتها، فمُخترعها إنسان عاقل، قَصَدَ التطوّر ورفاهيّة الإنسان. لكنّ من حقّ كلّ شخص، أن يتحدّث عن هويّته، إذا ما دعت الحاجة. فنمط “النباتيّة” كنظام غذائي أتّبعه مُنذُ تسعة عشر عامًا (4 آب 1992) لا يعنيني أبدًا عند مشاركتي بمؤتمر عن الإمبرياليّة (الحقيرة) وأثرها على حقوق الإنسان! لكنّ بالطبع لو تخلّل المؤتمر استراحة غذاء، وسُئلت، ماذا أختار كطعام، سيكون خياري بالتأكيد طعامًا نباتيًّا يناسب هذا الجانب من هويّتي.
وأنا اعتبر بأن الهوية الفرديّة (الذات) هي المدخل للحصول على الكثير من القيم التي نسعى إليها. فمن منّا لا يريد السعادة والطمأنينة وراحة البال…؟ وهذه القيم، نستطيع بلوغها، لو استطاعت هويّتنا الفردية التعامل بعقلانيّة مع الآخرين الذين يشكّلون معًا الهويّة الجمعيّة أو الجماعيّة، ولكنّ قرار التدخّل يكون بالتأكيد فردي.
وبغضّ النظر عن الخلفيّة المُكوّنة لهويّة الفرد والتي تدفعه لاتخاذ القرار. فمن الشائع أن أي فرد هو سيّد نفسه في اتّخاذ قرارته. وقد أتت الثقافة الشعبية لتكرّس العقلانيّة في المثل الشعبي المعروف: “حطّ عقلك براسك، بتعرف خلاصك”! لكنّ الهويّة الجماعيّة تتسلّل من باب التربية العائليّة والمدرسية، لتروّض القرار الفردي وتُقَولبُه لصالح الجماعة. فتُحارب العائلة وباسم الأصول والعادات والتقاليد، كل ابن أو ابنة حاول تغيير عادة من عادات المجتمع. فمن يستطيع أن يقنع “أبو نايف” بأن “غطّاس” من حقّه أن يعزف الموسيقى ويكون مايسترو، لا أن يلتحق بمدرسة القرية كمُدرّس تقليدي، ليجمع المال، فيتزوّج ويكوّن أسرة، ليُروَّض مثل الأخرين. ومن حقّ غطّاس أيضًا أن يُطيل شعره ويحلق شنبه!!! هذا الجانب الفيزيولوجي، حقّ مقدّس وأساسي من هويّة الفرد. فهو أول جزء على تماس مباشر مع الآخرين، فهم يروني بالوقت الذي لا يمكنني رؤية نفسي.
اقرأ أيضاً: حكايتي مع الحادث الذي أدخلني غيبوبة لـ3 أسابيع-ناجي سعيد
العلاقة الجدليّة بين الهويّة الفرديّة والجماعيّة، إشكاليّة كبيرة تؤدّي إلى العنف الإلغائي في حال لم تُحلّ المشكلة بينها. فمن ينسى كيف كان الإتحاد السوفياتي دولة عظمى، ومن المنافسين في سوق الاقتصاد العالمي، وبنظرة نقدية غير مؤامراتيّة، فليست أميركا كما يعتقد البعض هي الشيطان الذي وسوسَ وخرّب الإتحاد السوفياتي، حيث تفكّكت الهويّة الجماعية إلى هويات متعدّدة. وكذلك حصل في تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، الذي انتجت هويّات مُتعصّبة وإلغائيّة وقاتلة، أنتجت حروبًا دامية.
لا يجوز الاستسهال بمفهوم الهويّة عند الحديث عن أسباب الحروب والنزاعات. فحين يشعر الناس بسوء تقدير أو إهانة في هويّتهم الجماعية يثورون ويحاربون لأجل ذلك. تمامًا مثل الخلاف العائلي الذي يحصل عند خروج أحد الأبناء عن طاعة والديه، فيُصبح بنظر الجماعة: “الولدُ العاقّ”. ومن يدرك ما بداخل هذا “العاقّ” من أفكار، وأعمال مفيدة جدًّا للوطن، فيساهم إيجابيًّا ببناء هويّة جماعية، ويعطي للعالم صورة جميلة عن هويّة الوطن الذي ينتمي له، هذا الوطن الذي يحوي نفس العائلة التي أطلقت التهمة على ابنهم بأنّه “عاقّ”!.
لست أستعرض سلبيّات الهويّة الجماعيّة فأسوّق للفرديّة، فلكلّ جانب من الهويّة سلبيّات وإيجابيّات. ومجدّدًا تكمن المشكلة في عقلانيّة إدارة العلاقة بين الفردي والجماعي، ولكي أكون إيجابي، يجب أن أرى نفسي بإيجابيّة، والمعضلة بالمفهوم، هي أن الطريق إلى رؤية النفس هي رؤية الآخرين بالإيجابيّة ذاتها. فلو كنت أدرك بأن التدخين مُضرّ بالصحة، وأنا لا أدخّن، هل تُرغمني هويّتي (غير المُدخّنة) أن أمنع علاء (شريكي في السكن) من التدخين؟؟ أليس هذا إرغامًا على تغيير هويّة؟ وأذكر أخيرًا أغنية كنت أسمعها لأحد المُغنّين الصوفيّين: “كُن ما تريد أن تكون ولكنّ كُلّنا وطن”.
اقرأ أيضاً: الله يحاسب الجميع – ناجي سعيد