السويداء.. لقمة يومهم مرهونة بحضور عمل قد لا يأتي
الثمانيني نايف يشارك زملاءه العمال ساعات انتظار وصول العمل في ساحة السويداء كل يوم
سناك سوري-رهان حبيب
«باب الكرم بابك ياكريم»، هكذا يبدأ العم “نايف عماشة” يومه، حين يخرج إلى ساحة مدينة “السويداء” كل صباح، بانتظار قدوم أحد أصحاب الأعمال والورش، للساحة بحثاً عن العمال الذين اعتادوا التجمهر فيها منذ سنوات كثيرة مضت.
“عماشة”، المثقل بثمانين عاماً قضى غالبيتها بحثاً عن عمل مُجهد يدر عليه دخلاً يعينه وعائلته، قال لـ”سناك سوري”، إنه تعود الانتظار من السادسة صباحاً، ومثله عشرات من عمال المهن الحرة مثل عمال الطينة والبلاط وغيرها، التي لم تصنع لأصحابها الاستقرار، ولا الكفاية، لأن انتاجها يوم بيوم وقد لا يأتي العمل كل يوم.
الثمانيني الذي يعمل بكل ما يتوفر له، سواء بالزراعة أو أعمال البناء، أضاف أنه يعيش في منزل مستأجر، وهو في أيام الحظ أي حين يحصل على عمل، يتقاضى منه بين 6 إلى 10 آلاف ليرة، وهي لا تكفي حتى ثمن الدواء، إلا أنها أفضل بكثير من لا شيء في إشارة منه إلى الأيام التي ينتظر فيها دون الحصول على أي عمل.
مشهد عمال اليومية حدث صباحي يعود لما قبل سنوات الحرب بكثير، اعتاد المارة على رؤيته كل صباح، في الساحة التي يتواجد فيها أكثر من 50 عاملاً بانتظار رزقهم، وأحياناً يصل إلى 100 عامل، قد يعود غالبيتهم أدراجهم دون الحصول على عمل، كما حصل مع “سعيد.م” 59 عاماً، معلم نجارة، يضيف: «للأسف مرّ اليوم دون أن يصادفني الحظ بالحصول على عمل، أحيانا أحظى بورشة كبيرة تمتد لأيام، وأحياناً لا يطلبنا أحد، وإن اشتغلنا عدنا بثمن الخبز، وإن لم نشتغل ننتظر يوما قادما، ولا جهة تهتم بشؤوننا».
يخبرنا “اسماعيل.ق” 44 عام، أن معظم من يقف في الساحة هم من اختبروا السفر إلى “لبنان” و”الأردن” و”العراق”، ولم يحالفهم الحظ بتأمين عمل بديل، وما كان أمامهم إلا العودة والانضمام إلى أفواج الواقفين بانتظار فرصة عمل دون أدنى أمل بالحصول على استقرار مادي بسيط.
يضيف: «عملت بلّاطاً في لبنان، عائلتي مؤلفة من ست أولاد ووالدتهم، ولم يكن لدينا فرصة للادخار أو حساب الزمن، اضطررت للعودة والانتظار هنا لأننا في المنزل لايمكن أن نجد عملا».
اقرأ أيضاً: جمال القادري: ارتباط العمال بالوطن مصيري لا يتعلق بأجورهم
لا يعرفون كلمة لا
العمال المتواجدون بالساحة لا يقولون “لا” على أي عرض عمل، سواء كان عملاً زراعياً، أو نقل البلوك، أو البلاط والرمل، وغالبيتهم ينتظرون موسم التقليم أو تعزيل الكروم الزراعية، ليكسبوا مصدر دخل شبه ثابت، سرعان ما ينتهي بانتهاء الموسم، ثم العودة مجدداً إلى الانتظار بالساحة.
“زيد حسن”، 42 عاماً، يقول إنهم لا يحصلون على أكثر من 10 آلاف ليرة في حال حصلوا على عمل، وأحياناً يضطرون لاقتسامها فيما بينهم، في حال اشترط صاحب العمل عليهم، أخذ أكثر من عامل بأجرة عامل واحد، يضيف: «لا يوجد ضابط لعملنا ولا قوانين تحكمه، بل حالة من العرض والطلب».
الحرب والأوضاع الاقتصادية السائدة، أثرت كثيراً على عملهم، فبات العمل أقل بكثير من السابق جراء الغلاء وارتفاع الأسعار، الذي أدى لتراجع أعمال البناء وغيرها، كما أكد غالبية من التقاهم “سناك سوري” في الساحة، حين زارها عند الـ12 صباح أمس الثلاثاء، وكان العمال وعددهم أكثر من 50 عاملاً مايزالون بالانتظار، فلم يزرهم أي صاحب عمل حتى تلك الساعة.
اقرأ أيضاً: الشارع ليس آمناً.. طلب استعارة جوالها ثمّ فرّ هارباً
التأمين مكلف
أقسى ما يمكن أن يواجهه أحد العمال، هو تعرضه لإصابة في مكان العمل، فيسارع صاحب العمل إلى التنصل من المسؤولية وعلاج العامل، وهو أمر حدث عدة مرات كما أخبرنا العمال الذين التقيناهم، في حين يقول مدير التأمينات الاجتماعية بـ”السويداء”، “نبيل قنطار” لـ”سناك سوري”، إنه وفي حال رغب أحد العمال بالتأمين، فعليه أن يدفع قسطا شهرياً لا يقل عن 11 ألف و500 ليرة، بحسب القوانين، فعامل اليومية لا ينتسب لأي جهة أو دائرة تكفله.
مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظة، “بشرى جربوع”، لا تخفي وجود حاجة لرعاية أولئك العمال، كونهم شريحة لا تمتلك أي ضوابط قانونية لعملها، وهم خارج قانون العاملين الأساسي وقانون العمل، مضيفة أن مشروع المعونة الاجتماعية الذي طرحته الوزارة عام 2009 كان من المفترض أن يعنى بوضعهم، إلا أنه توقف عام 2011 نتيجة الحرب.
ترى “جربوع”، أن هناك حاجة كبيرة لمشروع يلحظ واقع هذه الشريحة من السوريين، ويضمن استقرارها الاجتماعي والمادي، بالمقابل فإن هذا الأمر يتطلب إمكانيات كبيرة، ومنظومة إدارية ومالية كبيرة أيضاً، مضيفة أن «هذه الشريحة هي بأمس الحاجة للدعم».
اقرأ أيضاً: السويداء.. مواطنون خسروا حلمهم بشراء الأثاث وحرفيون فقدوا نصف زبائنهم