هكذا قدم الأميركيون السوريين أضاحي لـ”مولوخ”-حسان يونس
ماذا تعلم عن “مولوخ” الذي اعتاد أن يقتات على الأطفال بعد تقطيعهم؟
سناك سوري-حسان يونس
في سياق شرحه لأسباب اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 يورد كمال جنبلاط في مذكراته (هذه وصيتي، ص15): «ويبدو أن الإدارة الأمريكية كانت تريد الإعداد “لجنيفها” بتقديم أضحية إلى الإله الكنعاني مولوخ تبلغ عشرات الآلاف من الضحايا اللبنانيين»، وجنيف المقصودة هنا هي محادثات السلام بين المصريين والإسرائيليين في جنيف والتي أفضت إلى توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام.
ومولوخ هو إله دموي جرت عبادته في الفترة المُمتدّة من الألفية الثالثة و حتى نهاية الألفية الأولى قبل الميلاد في كل بلاد كنعان – فينيقيا بدءاً من أوغاريت في سوريا مروراً بجبيل و صيدون في لبنان إلى أريحا (و ممالك العبرانيين فيما بعد الذين انتزعوها من الكنعانيين) في فلسطين وحتى قرطاجة في شمال أفريقيا.
وهذا الإله هو أحد اشتقاقات الإله (بعل صافون الفينيقي / صفون / صهيون و بعل-حمون / حامون القرطاجي)، إلا أن وجه هذا الإله بخلاف وجه البعل المُسالم إله الخصب والحب والمطر والشمس والسلام والمحبة أي جميع نوازع الخير والنور في البشر، هذا الإله مولوخ كان يقتات على البشر ويتطلّب تقديم القرابين البشرية، ومن الأطفال خاصةً، بحسب مُعتقدات الكنعانيين لاسترضائه واتّقاء شرِّه وغضبه.
مولوخ يمثّل جميع نزعات الشر في البشر، وهو المقابل للإله أشكور السومري ولوغال – أريشكيغال عند البابليين والإله كيون الكلداني والإله سيت المصري وإله الظلام أهرمان الفارسي الذي تمّ تجسيدهم بشكل ساتان / الشيطان / إبليس في ديانات الشرق الأوسط لاحقاً كما إن يهوه اليهودي والإله الذي تقاتل تحت لواءه كافة التكفيرية اشتق الكثير من صفات مولوخ .
اقرأ أيضاً: إراقة دم المدنية السورية بسيف البداوة- حسان يونس
كان الكنعانيون والقرطاجيون يقدمون للإله مولوخ الأضاحي من الأطفال والذبائح بعد تقطيعهم إلى أجزاء وملخهم ملخا، وهذا المعنى انعكس في تسمية النبتة المعروفة (ملوخية) التي يجري تقطيع أوراقها وملخ أغصانها عند تحضيرها للتخزين أو للطهي، يورد المؤرخ ديودورس الصقلي حادثة شهيرة تتصل بالتضحية “عندما حاصر اغاتوكل طاغية صقلية قرطاجة في أواخر القرن الرابع ق.م فاختار القرطاجيون مئتي ولد من أحسن نبلائهم وضحوا بهم في حفلة علنية”.
بالعودة إلى كمال جنبلاط، يعتقد الرجل كما يعتقد آخرون أن الأمريكيين يمهّدون لكل التحولات السياسية التي يريدون إحداثها في العالم بتقديم أضاحي للإله مولوخ، وهم في سياق ذلك يصنعون الحروب الأهلية، والصدامات الإقليمية، ويسعّرون أوار الحروب القائمة، والى جانب هذا الاعتقاد هناك جانب تجاري للمسألة يمثّل آخر صيحات الرأسمالية، وهو ما أطلقت عليه المؤلفة الكندية نعومي كلاين رأسمالية الكوارث في كتابها الصادر عام 2009 والمعنون (عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث)، حيث أن إشعال الحروب يتضمن بيع الأسلحة وهي التجارة الأضخم في العالم والتي تتجاوز تجارتي النفط والمخدرات، كما يتضمن تهديم المدن والبنى التحتية وإعادة إعمارها، إضافة إلى إعادة رسم خرائط جيوسياسية وديمغرافية ومسارات طاقة .
ما يعنينا في الأمر أن سورية منذ تسع سنوات أصبحت أكبر محرقة معاصرة يقدم فيها الأمريكيون أضاحيهم للإله مولوخ، وهي محرقة لم تكتفِ بإحراق الضحايا البشرية، بل قوضت كذلك الكثير من المنطق ومن الأفكار ومن الايديولوجيات وفرضت على كل القوى المشاركة فيها سواء دول أو ميليشيات أن تتجرّع الكثير من المهانة كي لا تنزلق إلى هاوية أكثر عمقا، والأفراد كذلك يقفون أمام ذات المعادلة، فالتعامل مع الحدث السوري بانفعال وعصبية وشعاراتية سيقود إلى هاوية أكثر عمقا، وكل من يمارس الشحن الطائفي أو القومي أو يدعوا إلى القتل والإلغاء أو يثير النعرات والفتن ويمارس التشفي من آلام الآخرين واعتقاداتهم وثقافتهم وفهمهم للعالم، إنما هو جندي في مشاريع الأمريكيين لإراقة الدماء وتقديم الأضاحي لمولوخ سواء مارس ذلك بغباء أو بسوء نية، ويصب في هذا الاتون كل عبارات “السحق” و”الدعس” و”الذبح و”الإرسال إلى جهنم” والفطائس وكل ما يمت الى التكفير والتخوين بصلة.
اقرأ أيضاً: حكاية الرجال الذين قتلوا نسائهم وأطفالهم في المدينة الفينيقية- حسان يونس