شباب ومجتمع

ثانوية الفرات…أقدم مدارس دير الزور ترافق طلابها إلى شتات الأرض

طلابها الأوائل أصبحوا مدرسين علموا طلاباً حولوهم إلى مدرسين وهكذا دواليك إلى أن قطعت الحرب سلسلتها

سناك سوري – فاروق المضحي

حفرت ثانوية “الفرات” اسمها بعيداً في عمق ذاكرة طالب الهندسة “غسان المحمد”، الذي هاجر مع عائلته إلى “ألمانيا”، حيث يكمل دراسته اليوم، وهو يحمل ذكريات مقاعد الدراسة في الثانوية بمدينته “دير الزور” بحميمية بالغة يزيدها اشتعالاً ذكرى أصدقاء شتتّهم الحرب دون أمل بلم شمل قريب.

يقول “المحمد” لـ”سناك سوري”: «درست فيها ست سنوات من الصف السابع وحتى البكالوريا، كانت آخر الأيام التي عشتها في سورية مع أصدقائي في المدرسة قبل أن تفرقنا الحرب».

لا يعلم “المحمد” الذي تواصل معه “سناك سوري” عبر تطبيق الواتساب، الكثير عن أصدقائه، منهم من هاجر إلى أصقاع مختلفة، وربما منهم من بات تحت التراب، وعدد آخر يتابع حياته في المدينة التي تحاول النهوض من ركام الحرب اليوم.

خرجت ثانوية “الفرات” في “دير الزور” من الخدمة جراء المعارك عام 2012، لكنها لم تخرج أبداً من ذاكرة طلابها والمدرسين الذين توالوا عليها، وهي التي تعتبر أقدم مدرسة في المحافظة، خرّجت الكثير من أبنائها ممن أصبحوا مهندسين، وأطباء، وأصحاب مهن، ومعلمين.

يقول “يوسف الحسين” معلم سابق في الثانوية لـ”سناك سوري”: «كان للتدريس فيها خصوصية كبيرة، ربما هي حميمية المكان، فنحن كنا ندرِّس في المكان الذي درسنا فيه وكنا نعتقد أن أطفالنا أيضاً سيدرسون فيه لكنها لغة الحرب التي لا تفهم المشاعر ولا حميميتها».

اقرأ أيضاً: “دير الزور”.. حين تكون ابن المدينة التي تداويك باللسعات!

تاريخ وبناء

يعود تاريخ الثانوية وفقاً لمدير تربية الدير “خليل الحاج عبيد” إلى عام 1910، حيث بنيت المدرسة في ذلك الوقت بطلب من المتصرف “محمد راشد باشا” وسميت عند افتتاحها بالمكتب السلطاني وافتتحت في العام نفسه كمدرسة تعليم المدارس السلطانية.
تقع بالقرب من دوار “حمود العبد” مقابل المتحف الوطني وتتميز الثانوية الأقدم في دير الزور ببنائها الحجري القديم فهي مؤلفة من بنائين كل بناء ثلاث طوابق، ويحتوي الطابق على غرف صفية كبيرة ذات شبابيك مقنطرة وأسقف مرتفعة مما يميزها عن غيرها من المدارس الحديثة، كما يوجد فيها مكتبة كبيرة، فهي تراثية حميمية لزوارها الذين يشعرون بأنها استمرار لمسيرة دير الزور التعليمية منذ أكثر من قرن.
وفق المراجع التاريخية فإنها ضمت مرحلتين، الأولى: الإعدادية التي كانت تسمى الرشدية وتخرجت أول دفعة منها عام 1913، والثانية “الثانوية” وكانت تسمى الإعدادية وتخرجت أول دفعة منها عام 1917، أما لغتها الرسمية فقد كانت التركية إضافة للغة العربية، ولغتين ثانويتين هما: الفرنسية والانكليزية، بالإضافة إلى بعض المواد الأدبية والعلمية.

في لغة الأرقام.. 100 مليون لعودة الحميمية إلى “الفرات”

بدأت أعمال التأهيل والترميم للثانوية بموجب عقد مبرم بين التربية والإنشاءات العسكرية فرع “حلب” بإشراف المكتب الفني في المحافظة وتشمل الأعمال المنفذة في المدرسة إعادة تأهيل بالكامل من دهان وتركيب أبواب وشبابيك وجلي البلاط وإعادة تركيب النوافذ الخشبية التقليدية للمحافظة على جماليتها وإعادة تأهيل دورات المياه وتم تخصيص 100 مليون ليرة للترميم، وفق حديث مدير التربية “خليل حاج عبيد”.

يضيف: «ستكون المدرسة جاهزة لاستقبال 1500 طالب خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الحالي وعودة ثانوية الفرات ستخفف من الضغط عن الثانوية الأخرى في المدينة».

لا يخفي “عبيد” فرحه بعودة المدرسة إلى سابق عهدها، فهو كان أحد طلابها، يضيف لـ”سناك سوري”: «درست فيها في الثمانينات من القرن الماضي، ولهذه المدرسة مكانة كبيرة في نفوس طلابها وقد تخرج منها الطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم من الشهادات لطالما كانت متميزة بكوادرها التدريسية ومعلميها وطلابها».

ستعود ثانوية “الفرات” مهما طال أمد الزمن لتدرس أطفال المدينة من جديد، لكن السؤال الذي يبقى حائراً في القلب دونما إجابة، هل يعود من درس على مقاعدها إلى المدينة من جديد، لينهض بها من ظلام ما عانته طيلة فترة حصار “داعش” لها.

اقرأ أيضاً: “دير الزور”.. رائحة خبز التنور تطغى على رائحة الذكريات السيئة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى