الرئيسيةرأي وتحليل

الصراع مع الفساد – مازن بلال

محاربة الفساد عبارة ظواهر سرعان ما تنتهي وتجرف معها أسماء وعناوين لمرحلة سياسية – اقتصادية

سناك سوري – مازن بلال

تمتلك الأجيال السورية المتعاقبة ذاكرة خاصة حول مسائل الفساد، فكل عقد من السنوات هناك سيرة خاصة أو ربما صوراً وتفاصيل صغيرة تبدأ من شرطي السير وصولاً إلى بعض مفاصل القرار الاقتصادي، فالفساد يبدو دائرة مغلقة تملك آلياتها وطرق إعادة إنتاج نفسها، ومحاربته على المستوى العام لا تختلف كثيرا في ذاكرة السوري، فهي أيضا ظواهر سرعان ما تنتهي وتجرف معها أسماء وعناوين لمرحلة سياسية – اقتصادية.
كي نكون واقعيين فإن الفساد يبدو من طبيعة النظم السياسية المركبة، فهو ليس حالة سورية أو خاصة بدول العالم الثالث، فحتى المنظمات الدولية تعاني كل فترة من حالات فساد يتم كشفها، ولكن الفارق الأساسي هو القدرة على الاحتواء وحصر هذه الظاهرة ضمن هامش ضيق، بحيث لا تصبح منظومة حاكمة لواقع الناس أو “سلطة ظل” قادرة على النفاذ حتى إلى لجان الشفافية، ففي هذه نصبح أمام بيئة فساد تغذيها قوانين لا تتيح التعامل إلا عبر تجاوز الأنظمة والتشريعات.

اقرأ أيضاً: تفاصيل غير مجدية..إثبات التعافي – مازن بلال

عمليا فإن أي محاولة لتجاوز هذا الواقع لن ينجح طالما أن محاربة الفساد “خطة طوارئ” تطال الأشخاص فقط، فمثل هذا الأمر يخضع في الدول ذات المؤسسات الضخمة إلى أمرين:
– الأول وجود بيئة سياسية قادرة على مقاومة أشكال الانحراف بشكل سياسي، فعبر الهيئات السياسية المختلفة يمكن معالجة الحالات المختلفة للفساد، وعندما نتحدث عن “هيئات” فنحن أمام منظومة متكاملة تمارس “الحوكمة” وليس “هبات” إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي.
– الثاني ممارسة “التنمية السياسية” المستدامة، وهذا الأمر يمكن تلمسه في عدم “موسمية” العمل السياسي، فهو فعل اجتماعي دائم لا يرتبط بالانتخابات أو بغيرها من المناسبات.
الغريب أن تاريخ الدولة السورية يعتبر قصيرا نسبيا، لكنه في نفس الوقت يعبر عن “شيخوخة” مبكرة على صعيد الأنماط التي تسود المؤسسات، فهي غير قادرة على التعامل مع الظواهر الشاذة لافتقارها لآليات في مواجهة كم من الاستنباطات الإدارية المتراكمة، وربما المتناقضة، وفي نفس الوقت لا تمتلك الدولة أي حليف على مستوى المجتمع المدني يمكن أن تستند إليه في صراعها مع الفساد.
لم تبدل الأزمة السورية أي عامل خاص بتغيير النظرة للفساد، بل ربما على العكس حيث ظهرت المعارضة السورية ضمن “جهاز فساد” ربما أشرس مما هو موجود في الداخل السوري، وهذا الأمر سيفاقم الوضع العام في حال انتهاء الأزمة لأنه سيضيف بيئة فساد جديدة، فالاستحقاق السوري القادم لن يكون على مستوى اتخاذ إجراءات ضد الفساد إنما بالعمل على “جناح” التنمية السياسية المستدامة التي تخلق المجتمع المحلي – السياسي القادر على خلق بنية بطبيعتها مقاومة للفساد.

اقرأ أيضاً: التعثر والبحث عن التنمية – مازن بلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى