5 أشخاص بانتظار ربطة معكرونة في سوريا
بين البائع والشاري قصص الفقر وقلة الحيلة.. هل عشتم أي أحداث إيجابية اليوم؟
هل تكفي 5 أشخاص؟، يسأل رجل أربعيني وهو يحمل ربطة معكرونة صغيرة (من النوع الطويل)، في أحد المحال التجارية بمدينة “السويداء”، لتتدخل صديقتي “هيام” بدون انتباه منها وتقترح عليه شراء ربطة الكيلو لكونها تكفي، دون أن تدرك بأن سعرها الذي تجاوز الـ5000 ليرة ربما يكون عائقاً.
سناك سوري-رهان حبيب
بعد إدراكها الأمر، حاولت تغيير لموضوع فيما بدا وكأن البائع أصبح أكثر خبرة بطرح الحلول، واقترح على الرجل الأربعيني، شراء كيلو معكرونة عريضة لكونها أرخص ثمناً وتكفي 5 أشخاص، فوافق الرجل على الفكرة وانتهى المشهد بتنهيدة عميقة ربما لم يطلقها أي منا، إلا أنها بدت واضحة جدا.
الأربعيني الذي تظهر الغبار على ملابسه أنه قادم من ورشة بناء، وقف عاجزاً عن تلبية رغبة أبنائه بطبق معكرونة، بعد وصول سعر الربطة الصغيرة لـ4000 ليرة، سرعان ما غيرها على الفور لنوع آخر من المعكرونة أقل ثمناً، والمؤلم في المشهد أكثر، أن الرجل الأربعيني لم يملك كامل سعر الكيلو 5000 ليرة، فوضع في يد البائع 3500 ليرة وطلب إليه أن يعطيه كامل المبلغ غداً، فوافق البائع على الفور، وقبل خروج الأربعيني مع المعكرونة من المحل سأل البائع إن كان يشتري عدة كيلوات من طحين المعونة، إلا أن التاجر اعتذر كون الأمر فيه مسائلة قانونية.موقع سناك سوري.
تقول صديقتي “هيام”، إنها افتقدت متعة التسوق منذ أشهر عدة، وباتت تقتصر على الضروريات فحسب، لأنها غالباً تصادف العديد من المواقف المؤلمة التي لا تستطيع إخراجها من ذاكرتها بسهولة، وتفكر أمامي بصوت عالٍ، هل يعقل أن نجوع لهذا الحد؟.
وإن كان الزبون لم يتمكن من شراء ربطة المعكرونة، على بساطة هذا النوع من الطعام ومكوناته، كيف إن طلب الأبناء اللحوم أو الخضروات أو حتى الفواكه، التي حلقت أسعارها وبات الحصول عليها صعب المنال ليس فقط لعمال اليومية، بل وحتى الموظفون الذين يحصلون على دخل ثابت شهرياً.
اقرأ أيضاً: قصة هيام صاحبة الممتلكات المهددة بالحرمان من الدعم الحكومي
غادرت مع صديقتي “هيام” المحل، باتجاه محاضرة تحفيزية، طلبت فيها المدربة منا تسجيل 3 أشياء إيجابية مرت معنا اليوم، تنوعت الإجابات الإيجابية، إحداهنّ قالت إنها حصلت على 10 ليترات من المازوت بسعر 45000 ليرة تكفيها ليومين، وأخرى قالت إنها نجحت بإعداد قالب كاتو لابنها في عيد ميلاده السادس، وأعربت عن خشيتها من ألا تتمكن العيد القادم من الحصول على 5 بيضات وكيلو طحين وظرف كريما، وشمعات صغيرة ليحتفل بها طفلها بيوم ميلاده، وكأن قالب الحلوى الصغير بات أقصى أحلامنا.
قالت “هيام” للمدربة، إنها لم تصادف أي أحداث إيجابية ذلك اليوم، ومنذ زمن تعيش بالأماني، وغرقت في تشاؤمها بعيداً، لتقول إن أقدامنا مجبرة على المسير، ومعداتنا مجبرة على هضم ما تيسر من الطعام، وأجسادنا مجبرة على اصطناع الدفء، لكن يبقى الأصعب أنها لم تستطع مساعدة من يبحث عن وجبة يعجز عن الحصول عليها هي الأصعب، ولن تهضمها الذاكرة رغم إدراكها أنها حتى لو ساعدت الأب في تلك اللحظة فإنها لن تحل مشكلة آباء وأمهات انعطفت بهم دروب الحياة وانتهت في فقر وضيق.
بخلاف صديقتي، قلت إن الإيجابية التي عشتها اليوم، تكمن في أننا مازلنا نشعر، حتى لو لم نستطع تقديم المساعدة، إلا أننا مازلنا نشعر ونتعاطف، دون أن نتخلى عن إنسانيتنا في خضم هذا الفقر والعوز.
اقرأ أيضاً: الخمسينية هيام تجدد جواز سفرها وتحزم الحقائب